- دفعت الصعوبات المالية كلاً من قناتي (النيل الأزرق) و(الشروق) إلى خارج مدار النايل سات، برغم أنّ كلاً من القناتين رفضتا المُغادرة الحصرية إلى قمر عربسات، وكان من المرجو أن تَحُول هذه الخطوة دُون هذا الخُرُوج القسري.
- لقد دار نقاشٌ كثيرٌ بيننا في إدارة هذه القنوات عن بواعث هذا التّوجُّه نحو قمر عربسات.. وللأمانة والتاريخ فلقد كُنت من داعمي هذا التوجُّه وبحماسٍ شديدٍ، ولم يكن دافعي لذلك إلا أن نَحُول دُون أن تصل قنواتنا إلى هذه المرحلة.
- أذكر أنني طلبت قبل عام ونصف من الأخ محمد عوض مدير مكتب وزير الإعلام آنذاك د. أحمد بلال أن يُرتِّب اجتماعاً للوزير مع الرئيس التنفيذي لشركة عربسات والأمين العام لاتّحاد إذاعات الدول العربية وسفير السودان في تونس، ومدير مكتب عربسات في السودان وشخصي لمُناقشة علاقة القنوات السودانية مع القمر عربسات.
- قبيل الاجتماع الذي كَانَ بالعاصمة التونسية بمُناسبة انعقاد اجتماعات اتّحاد إذاعات الدول العربية، قُلت للأخ الوزير إنّ القنوات السودانية لم يُعد باستطاعتها اقتصادياً أن تجمع بين قمرين، وإنّه بات من الضروري الترتيب قبيل الوصول لهذه المرحلة، لا سيما مع تصاعُد سعر الدولار وثبات سعر الإعلان التلفزيوني.. اتفقت مع الوزير على مسار التفاوض الذي كنت فيه ناطقاً بلسان حال القنوات السودانية وانتهى الاجتماع إلى اتفاق على سعر غير مسبوق لمن يدركون أسرار هذه الصناعة.
- كُنت أظن أن ما أنجزناه سيكون موضع ترحيب بحكم إلمامي بأوضاع هذه القنوات، ومعرفتي الفنية بما يُوفِّره القمر عربسات من انتشار وعون فني وسعر مُميّز، لا سيما وأن السودان عُضوٌ في مجلس إدارة هذه الشركة ومُساهمٌ فيها.
- الحقيقة المُؤلمة أنّ انقساماً طال موقفنا كقنوات من عملية الانتقال، وتسبّب هذا في إضعافه بسبب من تصورات وهواجس وتوهُّمات بعضنا عن بعض.
- ويظل التحدي الاقتصادي أمام أجهزة التلفزة في بلادنا قائماً، وهي تدرك خُطُورته على مُستقبلها ولكنها تخشى المخاطرة وتنتظر “الفرج” من الأيام دُون أن تعمد إلى مقاربة جديدة، أو اجتراح مسار بديل.. فلا تخفيض للتكلفة، ولا رفع لسعر الإعلان ولا ضبط له!! والمشكلة الأخطر هي انقسام أصحاب المصلحة، وظنونهم ببعض.
- لطالما عجزنا في بلادنا وعلى صعدٍ عديدة عن إبصار القواسم المُشتركة، وتعزيز المُتّفق عليه، وتحقيق المصلحة الغالبة.. لا أكاد استثني مجالاً لم تتفش فيه روح الانقسام والفردية القاتلة، وما تستتبعه من خراب.
●تفشت هذه الروح في السياسة فقسّمتنا إلى أحزاب مُتناحرة يكيد بعضها لبعض، لا تكاد تستقيم على مسار إلا وتنقسم طلباً لمسارٍ آخر مُكايدة وشَخصنة مُفزعة..!! تَفَشّت في المجتمع فأنتجت حالة من السلبية تجاه أيِّ عملٍ جماعي.. فكل ناشط مظنون فيه ومتّهم، لا يكاد يجمعنا منشط أو مشروع إلا وينتهي بنا إلى قسمين أو ثلاثة.. حتى قروبات الواتساب صارت تنقسم!! حتى وصلت للفرق الغنائية ذات الأداء الجماعي.. أما مشاريعنا التجارية فكم من شراكةٍ هدمها الطمع والأنانية وحُب الذات.. وما سلمت من الانقسام حتى طرقنا الصوفية ذات الأصل الواحد..!! كأن الانقسام والتشظي مبثوث في الجينات، وكأنّنا نتوارثه ونورِّثه !!