إن الإلحاد منافٍ للفطرة، منافٍ للعقل، ومع ذلك فقد انتشر في العالم بصورة عامة، وتسلل إلى العالم الإسلامي على وجه الخصوص لأسباب، أهمها ما يأتي :
السبب الأول: الهزيمة الحضارية التي استولت على نفوس كثير من الشباب، فأدت إلى احتقارهم لأمتهم ولإرثها العقدي، وأدت ـ بالمقابل ـ إلى النظر بعين الإعجاب والإكبار للغرب، وأنهم متفوقون، وأن سبب تفوقهم المادي إنما هو إلحادهم.
السبب الثاني: ـ وهو سبب مهم: عدم فهم قضية القضاء والقدر على وجهها الصحيح، ولا سيما ما يتعلق بالحكمة والتعليل في أفعال الله تبارك وتعالى.
السبب الثالث: غسيل العقول الذي يتعرض له من يسكن بين الكفار من القاطنين أو السائحين أو المبتعَثين، حيث تُكرَّس عليهم دومًا شبهٌ لا يستطيعون دفعها.
ولا يمكن أن يُهوَّن من مكر الكفار وكيدهم للمسلمين؛ فإن لهم مكراً عظيماً (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ).
السبب الرابع: حب الشهوات والرغبة الجامحة في الانفلات، أو ما يسمى بالحرية اللاأخلاقية؛ فهي تتناسب والإلحاد؛ فلا حلال ولا حرام في ظلال مملكة الإلحاد، ولا رقيب ولا حساب ولا جزاء، ولا وجود لما يسمى باللسان المعاصر: تأنيب الضمير، أي النفس اللَّوامة التي تضرب المسلم بسياط الندم على اقتراف القبائح.
ولذا فإن كثيرًا ممن يميل إلى الإلحاد دافعهم الشهوة لا غير، والأمر كما قال أهل العلم: الشهوة صابون الشبهة، أي هي التي تسهل مرور الشبهة إلى النفوس. وفي واقع بعض الملحدين المشهورين في سوداننا نماذج لتغلب الشهوات على من اتجهوا نحو الإلحاد حتى بات واضحاً أن الاستجابة لأهواء نفوسهم المريضة من أسباب إلحادهم.
السبب الخامس: وقوع مشكلات وتناقضات في نظر الملحد -لا سيما لدى بعض الشباب- تجاه الدين، وهذا السبب مفهوم بالنسبة للنصارى؛ أما بالنسبة للمسلمين: فإنه راجع في الغالب إلى خرافات تقع من أهل البدع؛ فتُنسب زوراً إلى الإسلام.
السبب السادس: الجهل بدين الإسلام ومحاسنه؛ إذ لو أقبل هؤلاء على هذا الدين العظيم لكفاهم عن كل نظرية وعن كل فكر وعن كل فلسفة، ولكنهم كما قال الشاعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ
والماء فوق ظهورها محمول
السبب السابع: وهو الأهم، وهو السبب الراجع إلى الملحد نفسه؛ فما ألحَد أحدٌ ونكص على عقبيه إلا وقد أُتي من قِبل كِبْر في نفسه، فإن الله جل وعلا يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ).
وقد أدى هذا الكبر إلى ثمرات، منها:
أولًا: أن يكذب بدين الله، قال تعالى: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ).
ثانيًا: الإعراض ورفض الاستماع للحق، قال سبحانه: (وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ).
ثالثًا: الفرح بما عنده من علوم كاسدة يعارض بها شرع الله عز وجل، قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ).
رابعًا: تقليد أئمة الضلال، قال جلَّ وعلا: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ).
وأخيرًا: الثمرة النهائية وهي الزيغ، قال عزَّ شأنه: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ).
وقد أفدت هذه الأسباب من كتاب ظاهرة الإلحاد للأستاذ الدكتور صالح بن عبد العزيز السندي، أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية والمدرس بالمسجد النبوي الشريف.