كامل عبد الماجد
ولد عبد المنعم محمد عام 1896 بمدينة أمدرمان، ودرس بالخــــلاوى والكتاتيب شأنه شأن أقرانه في ذلك الزمان،
وعمل بالتجارة وكان من أوائل من عرفوا فوائد التصدير والاستيراد والتجارة الخارجية وعرف منذ باكورة شبابه بالعمل الطوعي والكرم وأعمــــــال الخير، وكان ذلك دأب أهل المال عصرئذ، ومن رجــــــال الإحسان الذين سجلهم التاريخ آنذاك البغدادي، والسيد عبد الرحمن المهدي، والضو حجوج، وجابر أبو العز والبرير، والسلمابي، والشسخ مــــصطفي وغيرهم، وكان المجتمع يتغنى بالمحسنين وتمــــــــــشي بإحسانهم الأهازيج وشعر المـــــــديح فقد كتب عكير الدامر قصائد باهرة في السيد عبد الرحمن يشبه ندى يده بفرع الأراك الشم ريحة النترة … ويصف ود الرضي العمدة طه البطحاني:
أخو الضيفان بيوتك بالضيوف منزربه
النـــــاس زانوا للدنيا ام بيوتن خربه
وات زينت أخراك بي بشاشه وطربه
والعمدة أب عشياً قدرو تاخدو الحربه
وفي الشيخ حمد النيل يمشي الرثاء:
طـــلابك ألوف غير البجوك زوار
وليك خمسين سنه ما فتّ تُكل النار
وكان الشيخ حمد النيل يخدم ضيوفه بنفسه بما في ذلك
المساعدة في طهو الطعام، واشتهر بالكرم النعيم ود حمد
فمدحه الشاعر بابا بقصيدته:
يا الاحييت سنن البرامكه
عاجبني طول ايدو سامكه
يا بابا قول النعيم دراج المتابكه
غير أن من ورد ذكرهم وغيرهم استأثروا بالكرم الريفي
التقليدي، والمحسن الكبير عبد المنعم محمد أدرك
العصر الحديث، وأصبح فيه تقديم الطعام ونحر الذبائح للضيوف لا يدخل في باب الإحسان، ويندرج في الكرم
وهذا شائع في بلادنا، ولكن الإحسان هو تشييد دور الخدمات ووقف الصروح والأراضي، وفي هذا لم
يتفوق أحد على عبد المنعم محمد حتى يومنا هذا،
فقد كان من مؤسسي مدارس الأحفاد وعضو في الكثير من الجمعيات الخيرية وقد لقبته هيئة الأوقاف أمير المحسنين.
ومن أوقافه المعروفة غير أعمال الخير التي لا يكشف عنها عمارة البنك التجاري بقلب الخرطوم، وبها أكثر من سبعين دكاناً، كما شيد مدرسة بالخرطوم ومركزاً صحاً وثلاثة مراكز صحية بأمدرمان وأوقف عددًا من الأراضي الكبيرة في الخرطوم وأم درمان مثل ميدان عبد المعم بالخرطوم، والذي يدهش أنه أوقف عام 1946 وهو عام وفاته مبلغ تسعين ألف جنيه لتصرف على أعمال البر والإحسان، وكان الألف جنيه في ذلك الزمان يعادل المليار بحساب اليوم، وقد أوصى ان يخصص المبلغ لمعاهد القرآن واستراحات المقابر والفقراء والمساكين والعشرين الأوائل من حفظة القرآن الكريم وطلبة ومشائخ وخلاوى القرآن وزوايا التجانية والطلاب المبعوثين خارج السودان والمعهد والجامع وصيانة وتوسعة مستشفى أم درمان، وما يتبقى يذهب للأقارب، وكان قد حدد النسبة من المبلغ لكل جهة.
ومن القصص التي رويت عنه قصة الأرمله التي قصدته ليدفع لها أجرة المنزل فذهب معها لصاحب المنزل وساومه فيه واشتراه وسجله باسمها. كان عبد المنعم محمد دولة تسعى على قدمين وكان بحق أمير الإحسان والمحسنين، ومما يؤسف له أن الإحسان في زماننا الماحق هذا كاد أن يتوقف برغم كثرة الذين منّ الله عليهم بالثروات الضخمة.
وما أروع الشاعر الكبير محمد المهدي المجذوب إذ يقول في استهلال قصسدته الباذخة المولد
وازدهى ميدان عبد المنعم ذلك المحسن حياه الغمام
بجموع تلتقي قي موسم والخيام قد تبرجن وأعلنّ الهيام
نسأل الله أن يجزي عبد المنعم محمد ويجعل مثواه
الجنان التي عرضها السماوات والأرض.