يحدث التاريخ أن الرشيد لما رأى ميلاً لجعفر بن يحيى البرمكي وزيره المقرب وأخته عباسة قال له: أزوجك إياها ليحل لك النظر إليها بشرط ان لا تدخل عليها ففعل غير أن جعفر لم يلتزم بالشرط وحملت له بولد خبأه وعرف بذلك الرشيد فأضمر نية قتله وقيل إن سبب قتله أبيات شعر رفعت له لم يعرف رافعها تقول:
قل لأمين الله في أمره ومن إليه الحل والعقد
هذا ابن يحيى قد غدا مالكاً مثلك ما بينكما حد
أمرك مردوداً إلى أمره وأمره ليس له رد
وقد بنى الدار التي ما بنى الفرس لها مثلاً ولا الهند
والدر والياقوت حصباؤها وتربها العنبر والند
ونحن نخشى أنه وارث ملكك إن غيبك اللحد
ولن يباهي العبد إربابه إلا إذا ما بطر العبد
وقيل إن مسرور قال سمعت الرشيد سنة حج يقول في الطواف: اللهم إن جعفر وجب عليه القتل وأنا استخيرك في قتله, ولما جاء الرشيد إلى الأنبار بعث إليه بمسرور فوجده في مجلس والمغني يغنيه:
فلا تبعد فكل فتى سيأتي عليه الموت بطرق أو بنادي
فقال له مسرور: جلت قدرة الله فقد طرقك الأمر. فتصدق بأمواله وأعتق عبيده وأبرأ الناس من حقوقه وجاء به مسرور إلى قصر الرشيد فحبسه وقيده بقيد حمار، وأخبر الرشيد أنه أتى به فقال له إئتني برأسه فحاول مراجعته فصاح فيه: ادخل عليه وحز رأسه فذهب وحز رأسه وأتى به إليه وكان ذلك وهو ابن سبعة وثلاثين سنة وصلب رأسه على الجسر وصلب كل قطعة على جسر ولم يزل كذلك حتى مر عليه الرشيد عند خروجه لخراسان فأمر بحرقه ولما قتله أحاط بجميع البرامكة فأخبرهم أن لا أمان لهم. وقيل أن علية بنت المهدي قالت للرشيد لأي شيء قتلت جعفراً قال لها لو علمت أن قميصي يعلم سبب قتل جعفر لأحرقته.
ولما صلب جعفر وقف عليه يزيد الرقاشي وقال:
أما والله لولا خوف واش وعين للخليفة لا تنام
لطفنا حول جذعك واستلمنا كما للناس بالحجر استلام
فما أبصرت قبلك يا ابن يحيى حساماً فله السيف الحسام
على اللذات والدنيا جميعاً لدولة آل برمك السلام
فبلغ الرشيد ذلك فأحضره وسأله: ما حملك على ما فعلت وقد بلغك ما توعدنا به كل من يقف عليه أو يرثيه قال: كان يعطيني كل سنة ألف دينار فأمر له الرشيد بألفي دينار وقال له: هي لك ما دمنا على قيد الحياة.