مراقي الصدق..!!
*قال الشيخ عبد القادر الجيلاني- رحمه الله: بَنَيْتُ أمري على الصدق، وذلك أني خرجت من مكة إلى بغداد أطلب العلم، فأعطتني أُمِّي أربعين ديناراً، وعاهدتني على الصدق، ولمَّا وصلنا أرض (هَمْدَان) خرج علينا عرب، فأخذوا القافلة.
* فمرَّ واحد منهم، وقال: ما معك؟ قلت: أربعون ديناراً. فظنَّ أني أهزأ به، فتركني، فرآني رجل آخر، فقال ما معك؟ فأخبرته، فأخذني إلى أميرهم، فسألني فأخبرته، فقال: ما حملك على الصدق؟ قلت: عاهدَتْني أُمِّي على الصدق، فأخاف أن أخون عهدها.
* فصاح باكياً، وقال: أنت تخاف أن تخون عهد أُمِّك، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله!! ثم أمر بردِّ ما أخذوه من القافلة، وقال: أنا تائب لله على يديك. فقال مَنْ معه: أنت كبيرنا في قطع الطريق، وأنت اليوم كبيرنا في التوبة، فتابوا جميعاً ببركة الصدق وسببه.
* وقال أنس بن مالك، كبر على عمِّي أنس بن النضر أنه لم يشهد بدراً مع رسول الله، فقال: أول مشهد قد شهده رسول الله غبتُ عنه!! أما والله لئن أراني الله مشهداً مع رسول الله ليَرَيَنَّ اللهُ ما أصنع.
* قال: فهاب أن يقول غيرها، فشهد مع رسول الله يوم أُحُد من العام المقبل، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال له أنس: يا أبا عمرو، إلى أين؟ قال: واهاً لريح الجنة!! أجدها دون أُحُد. فقاتل حتى قُتل، فوُجِدَ في جسده بضعٌ وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية، قالت عمَّتِي الرُّبَيِّعُ بنت النضر: فما عَرَفت أخي إلاَّ ببنانه. ونزلت هذه الآية: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا ما عاهدوا الله عليه) الأحزاب: 23.
* قيل أن رِبْعِيُّ بن حِرَاشٍ، وهو تابعي ثقة، لم يكذب قط، كان له ابنان عاصيان زمن الحجاج، فقيل للحجاج: إنَّ أباهما لم يكذب قط، لو أرسلت إليه فسألتَه عنهما. فأرسل إليه فقال: أين ابناك؟ فقال: هما في البيت. فقال: قد عفونا عنهما بصدقك.
* جاء رجل من الأعراب إلى النبي فآمن به واتبعه، ثم قال: أُهَاجِرُ معك. فأوصى به النبي بعضَ أصحابه، فلمَّا كانت غزوةٌ غَنِمَ النبي سَبْيًا فَقَسَمَ، وقَسَمَ له، فأعطى أصحابه ما قَسَمَ له، وكان يرعى ظهرهم، فلمَّا جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قَسَمٌ قسمه لك النبي.
* فأخذه، فجاء به إلى النبي، فقال: ما هذا؟ قال: “قَسَمْتُهُ لَكَ”. قال: ما على هذا اتَّبَعْتُك، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى ها هنا – وأشار إلى حلقه بسهم- فأموت فأدخل الجنة. فقال: (إِنْ تَصْدُقِ اللهَ يَصْدُقْكَ).
* فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو، فأُتِيَ به النبيُّ يُحْمَلُ قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي: (أَهُوَ هُوَ)؟. قالوا: نعم. قال: (صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ). ثم كفَّنه النبي في جُبَّة النبي، ثم قدَّمه فصلَّى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: (اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِراً فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيداً، أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ).
* حينما خرج عبد الله بن المبارك في غزو بلاد الروم فالتقى المسلمون بالعدو، وخرج عِلجٌ من العدو يطلب المبارزة ويجول بين الصفين، فخرج له رجل من المسلمين فقتله العلج، وخرج ثانٍ فقتله، وخرج الثالث فقتله، فبرز له رجل آخر، فصاوله ثم قَتَلَ العلجَ .
* فاجتمع الناس عليه ينظرون من هو؟ فجعل يغطي وجهه بكمه لئلا يعرفه أحد، فجاءه رجل يقال له أبو عمر فرفع كمه عن وجهه، فإذا هو عبد الله بن المبارك، فقال عبد الله بن المبارك: ” وأنت يا أبا عمر ممن يُشنع علينا”.