بات معتاداً أن نقرأ كل صباحٍ ومساءٍ خبراً عن قرار للسيد رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك بإقالة وكيل الوزارة الفلانية أو إعفاء مدير المؤسسة العلانية وتعيين آخرين مكانهم وتوجيه الجهات المعنية باتخاذ ما يلزم لتنفيذ القرار، والمنطق الافتراضي أن المُقال والمُعفى من “آثار الإنقاذ” و”فلول البشير”، وقد يهلل البعض وينبسط لاعتقاده أن هذه السلسلة من القرارات تُمكِّن للثورة وتدعم أهدافها!
هل سأل سائلٌ نفسه عن كفاءة وهوية القديم والقادم في كل منصب جرى فيه تغيير؟ هل كان القديم المُقال تنقصه الكفاءة؟ هل كان من الفاسدين؟ أم إنه هبط على هذا المنصب ببرشوت سياسي دون تدرج وخبرة؟ ثم ما هي مؤهلات القادم من حيث الكفاءة والخبرة والقدرة أم إنه مجرد ناشط تتم مكافأته على خدماته الجليلة للثورة؟ ألم يتحدثوا عن حكومة كفاءات وأن البقاء للأصلح؟
ما الذي ستستفيده البلاد من إعفاء موظف عام تدرج في وظيفته وخبر دهاليزها ويؤدي عمله بمهنية وانضباط بعيداً عن أي انتماء وميول سياسية ودون أن تمتد يد لمال عام أو يُحوِّل المؤسسة لضيعة يحشد فيها إخوته و”نسابته” وأحبته ورفقاء دربه؟ هل خرجت الحكومة على مواطنيها بأن فلاناً الذي أقالته لا يصلح للأسباب كذا وكذا وأنها جاءت بمن هو الأفضل منه بالميزات كذا وكذا؟
ثم السؤال الأهم: هل جميع الذين تم تعيينهم حديثاً في المُناصب جاءوا من صُلب الثورة والثوار؟ هل هم من بين الشباب عماد الثورة وآيقوناتها أم أنهم تسللوا بفهلوة من بين صفوف “سارقي الثورات” المعروفين لكل مراقب؟ هل ثار الثوار وسقط الشهداء وفُقد المفقودون من أجل أن يصعد الشيوعيون وأشياعهم للمناصب بهويتهم السياسية بعيداً عن معايير الكفاءة والدراية؟
بعض عقلاء ونُبهاء الشباب انتبهوا، وبدأت مجالسهم وقروباتهم تهمس أن ثورتهم سُرقت وانتهت مراسم سرقتها، وكل ما يُقال ويُلاك عن التحقيق والعدالة والدولة العميقة إنما هو مجرد تخدير وشراء للوقت، وأن شعار تمكين الشباب قد ذهب أدراج الرياح ! لكن بعض الشباب لا يفصحون عن “حقيقة السرقة” وكأن ذلك هزيمة لهم و”مجلب للسخرية والشماتة” عليهم ! أو ربما يأملون ويعملون على إفساد عملية السرقة ومعاقبة السارقين وطردهم خارج الساحة .
لو أن كل واحد من القراء الكرام نظر في منطقته وحدود معرفته لوجد أن العديد من المسؤولين والوكلاء والمديرين العامين للتعليم والصحة الذين تمت إقالتهم ليس لهم أي إنتماء سياسي ولا تحيط بهم أي شبهة، وأن الذين تجمعوا وهتفوا ودبجوا المذكرات ورفعوا الشعارات مطالبين بإقالتهم إنما هم مجموعات سياسية يحركها صاحب المصلحة ! ماذا يستفيد الوطن وأهله من هذا الذي يجري؟
إلى أين نمضي ويمضي الوطن؟ إلى أين نسير والحكومة “تُصوِّب خارج التختة” وكأنها حولاء تجهل مسارها ومصلحتها؟ هل يصمد د. عبد الله حمدوك وسط هذه الأمواج العالية المتلاطمة ويصبر على أذى الرفاق وإفلاس بعض “الخوازيق” التي قُدِّمت له باعتبارهم كفاءات؟ نسأل الله الخير كل الخير للوطن الغالي الحبيب.
ترقبوا حزمةً من رسائلكم غداً إن شاء الله تعالى .
الرقم 0912392489 مخصص للرسائل فقط