إصلاح شامل والذي منه ..!
“يعلم العلماء أنهم لا يدركون كل شيء، ولكنهم غالباً ما يميزون الهراء إذا أوشكوا على الوقوع فيه” .. فرنسيس كريك ..!
لدى مخاطبتها حفل صيانة معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية – يوم أمس الأول – قالت السيدة “انتصار صغيرون” وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي “إن الخراب الذي حدث في جامعة الخرطوم هو خراب كامل ليس بالأيدي وإنما بالسلاح”، وكشفت عن مساعٍ كبيرة لمعالحة آثار النهب والتخريب التي لحقت بالجامعة، وأعلنت عن بدء إصلاح شامل في مؤسسات التعليم العالي..!
والحقيقة أن الحديث عن الإصلاح جميل، لولا أنه فضفاض وحمال أوجه. فلو سألت الذين خربوا المنشآت وأتلفوا الأجهزة والمعدات في جامعة الخرطوم عن دوافعهم لارتكاب مثل هذه الجريمة لربما حدثوك عن الولاء الذي يدينون به لحزب أو كيان سياسي، يرون في كل هذا الخراب الذي اقترفته أيديهم خدمة لأجندته واجتهاداً في نصرته. ولو سألت الإرهابي الذي يفجر نفسه بين حشدٍ من الناس لحدثك عن الجنة التي تنتظره، وعن الجحيم الذي يظن هو أنه ينتظر الأبرياء الذين أزهق هو أرواحهم، طمعا في دخول الجنة ..!
معظم الذين تم التنكيل بهم في أعقاب انتصار الثورة الفرنسية لم يكونوا من أنصار الملكية ولم يكونوا من أعداء فرنسا، بل كانوا علماء وأدباء ومثقفين، شك قادة الثورة في ولائهم أو افترضوا أنهم قد تهاونوا في أداء الواجب المفترض عليهم. بل إن بعض العقوبات الجماعية قد طالت مدناً بأكملها – فقط – لأن بعض سكانها قد أظهروا بعض التململ من دكتاتورية بعض قادة الثورة ..!
إذاً هو حديث فضفاض وحمَّال أوجه، لأن الإصلاح الشامل لمؤسسات بهذا الحجم الأكاديمي – والتأثير القومي، والحساسية المنهجية – في فترة حكم انتقالي، لا يعني الشمول بقدر ما يعني الشمولية في إطلاق الأحكام، وفي ترتيب الأولويات، وفي اتخاذ القرارات. خذ عندك مثلا: أصدرت السيدة وزيرة التعليم العالي قبل أيام قراراً مفاده “إيقاف التصديقات الجديدة للجامعات والكليات الحكومية والخاصة والأهلية، وإيقاف التصديقات الجديدة للكليات والبرامج في الجامعات والكليات الخاصة القائمة” ..!
لن أتحدث عن الجزء الأول من هذا القرار، فهو على ما فيه تعسف يبدو وكأنه خطوة محسوبة وربما مبررة – على وجهٍ ما – لمراجعة الأسس والمعايير التي كان يتم بموجبها التصديق بقيام جامعات وكليات جديدة، عامة كانت أم خاصة. لكنني سأتوقف عند قرار إيقاف التصديق لإنشاء كليات وبرامج داخل الجامعات والكليات الخاصة. الخاصة تحديداً – لاحظ – وليس الحكومية ..!
وهو في تقدير البعض قرار يأتي ضمن سلسلة قرارات متوقعة، تنطلق من موقف غير ودود يضمره القائمون على هذا الأمر – من أيقونات هذه الحكومة – في مواجهة ملاك ومؤسسي تلك الجامعات والكليات الخاصة، باعتبار أنهم قد تمددوا وتطاولوا في البنيان في عهد حكومة الإنقاذ – وهذا يعني أنهم كيزان أو موالون للكيزان – فقد طاب لهم المقام وأسعدهم الحال في حينه، حتى أمنوا مكر الزمان، ونوائب الدهر التي قد توردهم موارد “الكسح والمسح” في عهد الحكومة الانتقالية ..!
سعادة الوزيرة: بعض هذه الجامعات الخاصة رائدة وعظيمة ومقدرة إقليمياً – إن لم يكن عالمياً – ومعظمها هي الموطن الأكاديمي الوحيد للمنتسبين إليها من الطلاب وللذين سوف يلتحقون بها في المستقبل. وهي تستحق أن تشملها برامج الإصلاح والتطوير إن وجدت، لا أن تشتمل عليها قوائم “الكسح والمسح”، إن وجدت. فهل – يا ترى – من مُذَّكِر ..؟!
منى أبوزيد