الخرطوم – إنجمينا يا برهان وحمدوك!!
كَثّف السودان، حركته تجاه جيرانه الأفارقة والعرب، وتحديداً زيارات رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، حيث ذهب إلى مصر والسعودية والإمارات وجوبا وأديس أبابا وإلى العواصم البعيدة ذات الأثر على شأن السودان الداخلي، منها واشنطن وفرنسا، ولكن لم يتحدث أحدٌ عن نية برهان وحمدوك زيارة لواحدة من عواصم الجوار الأفريقي المُهمّة وذات أثر سياسي واقتصادي واجتماعي مُباشر على السودان وهي عاصمة جمهورية تشاد إنجمينا، التي تربطها بالخرطوم جسرٌ من العلاقات الاستراتيجية اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وحسناً حاول نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو المُحافظة عليها بأن خصّها بأولى زياراته الخارجية وقتها، لأنه ينظر للأمور بعينٍ فاحصةٍ وربما وبعدسة مُقرّبة، والسيد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان يدرك أكثر من غيره أهمية عُمق إنجمينا الاستراتيجي للخرطوم، وهو قد أسهم في كثير المنسوجات الإيجابية في تطوير العلاقات إبان فترته في القوات المسلحة وعمله بدارفور لعشرات السنين، ومن تلك الأدوار صفقات تكوينات وتشكيلات القوات العسكرية المُشتركة لتأمين حدود البلدين، والتي بمُقتضاها حسمت كثيراً من التحركات السالبة ضد البلدين، هذا فضلاً عن أهمية الأدوار المُهمّة والكبيرة للرئيس إدريس ديبي وإسهاماته الإيجابية في ملف سلام دارفور، بدءاً من اجتماعات مدينة أبشي وأم جرس، مُروراً بإنجمينا وأبوجا، وصولاً إلى التّطوُّر المهم اتفاقية الدوحة لسلام دارفور.
السيد رئيس مجلس السيادة وهو يُشارك في انطلاقة مباحثات السلام السودانية بجوبا، وهو يرى تعنت حركات دارفور وتمسُّكها بمسارات تراها الأنسب سيكون خَطَرَ على باله أهمية إشراك إنجمينا الحاضنة الرئيسية لبعض الفصائل وعلاقتها المُميّزة بدولة فرنسا التي يحمل كثير من قادة التمرد جوازها، ولذلك لا بد من النظر لقضية السلام بأبعادها المُختلفة دون التمسك بخيار وإهمال الخيارات الأخرى.
إنّ علاقات السودان وتشاد أبعد من ذلك، فالسودان عمق استراتيجي لتشاد وكذلك تشاد في تأمين أمنهما القومي، كما أن التداخل القبلي والأسري للعديد من المكونات القبلية في الحدود الممتدة لنحو ١٣٥٠ كلم٢ أسهم في كثير من أوجه التعاون الاقتصادي والاجتماعي وهو أضاف أبعاداً أخرى للشراكات السياسية والدبلوماسية، لكن تظهر أولى تجليات العلاقات الاستراتيجية خلال الفترة الأخيرة وهي القوات المشتركة ذات التجربة المميزة في حراسة وتأمين البلدين من الجريمة المنظمة العابرة، والقوات المشتركة حققت معانٍ ودلالات كثيرة في التنسيق والتعاون جرى على هامشها مجموعة أدوار مُكمّلة لأوجه التعاون، وأسهمت في المكاسب، على سبيل المثال لا الحصر الأدوار الخدمية التي تُقدِّمها للمُجتمعات المحلية المتحادّة، وتأمين الفرص العديدة لتعزيز التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي لمنفعة الشعبين ورجال الأعمال والشركات.
إن بلداً بهذا العمق والتداخُل أحق أن يزورها السيد رئيس مجلس السيادة الفريق أول البرهان أو رئيس الوزراء حمدوك قريباً لتعظيم الفائدة من استفادة تشاد من ميناء بورتسودان كونها دولة حبيسة، ولتعميق التواصُل لما يزيد من المَنافع الاقتصادية والاجتماعية المُتبادلة وتحقيق السلام بكل أبعاده، والأهم من ذلك علاقات السودان وتشاد بحاجة إلى ماضيها الثقافي، عندما كانت الفرق والمجموعات الفنية والثقافية السودانية تذهب إلى إنجمينا وتقضي الشهور هناك، وتغني في المُدن والأرياف في أبلغ صور التمازج والتداخل، واليوم البلدان في أمسّ الحاجة لتكثيف التعاون الثقافي والفني والإعلامي والأكاديمي، لأنه في الماضي كانت أعدادٌ كبيرة من المعلمين مُعارين للعمل في تشاد، لكن هذا الإرث انقطع رغم أهميته.
وأخيراً وليس آخراً، لا بُدّ أن نشير إلى دعم الرئيس ديبي للتغيير الذي شَهِدَه السودان ومُشاركته في حفل التوقيع النهائي لوثائق الفترة الانتقالية، فهذا يحتم رد الفضل والجميل، وعطفاً على ذلك مُشاركة وفد كبير يضم ٤٧ من القيادات الأهلية وزعماء القبائل في حفل تنصيب السلطان صديق تيمان ديبي اتنو سلطاناً لـ”بليا” دار زغاوة الجديد صباح الخميس ١٠ أكتوبر الذي تمّ في مدينة أم جرس حاضرة ولاية انيدي شرق مسقط رأس الرئيس ديبي، هذه كلها مُحفِّزات لتطوير العلاقات وتذويب كل ما من شأنه تحريك الفتنة وإثارة النزاعات، وهذا لا يتم إلا بإرادة قيادات وحكومات البلدين، ولا بُدّ أن تمتد زيارات رئيسي مجلس السيادة الانتقالي والوزراء إلى إنجمينا لمزيدٍ من التطبيع وتجسير العلاقات.