الحلو: السودان يحتاج إلى إدارة التنوُّع
موسيفيني: مُشكلة السودان التشخيص الخاطئ للأزمة
آبي أحمد: لا بُدّ من انضمام أطراف أخرى لسلام السودان
الهادي إدريس: لا بُدّ من تفويض واضح يُمكِّن الأطراف السودانية من الدخول في عملية سياسية ناجحة
الخرطوم: صلاح مختار
افتتحت بجوبا عاصمة دولة جنوب السودان أمس، مُفاوضات السلام السودانية بحضور إقليمي ودولي كبير، حيث شهدت الجلسة الافتتاحية بجانب رئيس دول الجنوب سلفا كير ميارديت، ورئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والرئيس الأوغندي يوري مُوسيفيني، بجانب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، إضافة إلى ممثل للرئيس المصري رئيس مجلس الوزراء، وممثلين للإمارات والسعودية، وعدد من ممثلي المُنظّمات الإقليمية والدولية وبعض من دول الجوار.
ريادة العالم
وأعلن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، أنّ منبر جوبا لرعاية ووساطة مُحادثات السلام بين الجبهة الثورية والحركات المُسلّحة، مؤكداً أن وفد الحكومة مُؤهّل لتحقيق السلام في السودان.
وقال البرهان في الجلسة الافتتاحية لمباحثات السلام في جوبا أمس، إن السلام هدف أولي للحكومة الانتقالية ومجلس السيادة، وأضاف: (قارة أفريقيا موعودة في مقبل الأيام بريادة للعالم.. ونقل تهنئته إلى آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي لنيله جائزة نوبل للسلام، قائلاً إن آبي أحمد يستحق ذلك وله كل التحية والتقدير ولكل الشعوب المحبة للسلام، التي ساندت السودان).
صناعة الثورة
وقال البرهان إنّ الحركات المسلحة جُزءٌ من صناع الثورة السودانية، مشيراً إلى أن مبادرة حكومة جنوب السودان وُلدت من رحم الثورة السودانية، وأضاف: (أعتقد أنّ جوبا منبر مُؤهّل وهم أهلنا وثقتنا فيهم كبيرة جداً، وقادرون على تولي الوساطة)، وذكر أنه يأمل أن تؤدي جولات مدينة جوبا إلى تحقيق السلام في السودان.
تشخيص خاطئ
وقدم الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني خطاباً صريحاً للسودانيين وحاول تشخيص المشكلة السودانية، التي قال إن سببها التشخيص الخاطئ مما أدى إلى إطالة الأزمة، وأوضح: (أنتم الدكاترة أخطأتم في التشخيص)، وشدد على ضرورة أن ينتهي ذلك الخطأ في تشخيص المُشكلة السودانية، واسترجع بالذاكرة إلى حقبة الرئيس السابق البشير، وقال: تحدثوا عن اتفاقية استمرت لثلاث سنوات، وقلت لهم ماذا تناقشون فيها؟ وبصراحة قلت لهم (لن تصلوا لشيءٍ) وإنه موضوع فاشل وليس ذو قيمة، وتساءل (موضوع الهوية كيف يستغرق ثلاث سنوات؟)، ووجه حديثه إلى وفد الحكومة وقيادات المجموعات المسلحة قائلاً: (إذا أردت خدمة بلدك يجب التفكير بموضوعية وعدم إهدار الوقت، ووجّه سؤاله للأطراف السودانية: (هل أنتم جاهزون لمناقشة جذور المشكلة؟)، داعياً إلى نبذ المشاكل التي تؤدي إلى الانتهازية.
الحل بالوفاق
وأكد الرئيس الإثيوبي آبي أحمد، التزامهم ببذل جهود السلام في السودان والإقليم، ودعا إلى حل كل المشكلات بالوفاق والحوار السلمي الجاد لوضع معاناة الشعب، وأشار إلى الجهود الجماعية، ولفت إلى الاجتماعات التي دارت في الخرطوم عقب الثورة بين المجلس العسكري وقِوى التغيير لبحث مسار السلام بالسودان والتي تكلّلت بالوصول إلى حكومة مدنية، وعبّر عن امتنانه للشعب السوداني والحكومة الانتقالية في تأسيس الحكومة المدنية، وأكد أن التزامهم شامل بتحقيق السلام والمُصالحة والبناء والازدهار.
أطراف أخرى
وأعرب أحمد عن أمله في انضمام أطراف أخرى إلى عملية السلام السودانية، وامتدح مبادرة سلفا كير و”الإيقاد” للسلام في السودان، ولفت إلى التظاهرات التي اندلعت في العديد من الدول التي نادت بالسلام في ما بين إثيوبيا وإرتيريا حيث اختفى صوت البنادق، ونجاح الوفاق السوداني في جنوب السودان، وكذلك بين كينيا والصومال، وقال: نحن نسعى لبذل جُهُود مشتركة لاستقرار الإقليم، وأضاف: إننا نناقش مع القادة الأفارقة التفكير في مصلحة الإقليم والاستفادة من الفُرصة ودعم التعاوُن والمُميّزات الإيجابية وتحقيق التنمية، وقال: يجب أن نضع أيدينا مع بعضنا البعض.
الإصرار والعزيمة
وقال رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت، إنّه بالإصرار والعزيمة ووضوح الهدف سيعم السلام كل القارة الأفريقية، ونوه إلى جُهُودهم في سلام السودان، التي قال إنها بدأت مع بداية اتفاق السلام (2005)، الذي اكتمل بانفصال الجنوب، ورغم ذلك قال: طموحاتنا في إعادة السلام لدولتنا الثانية السودان، وأقر بأن الهدف ما كان بالإمكان نجاحه لولا ثقة القادة في السودان فينا، مشيراً إلى الثورة السودانية في أبريل والحديث عن ضرورة تحقيق السلام وكان هو الهدف، وأوضح أنه لم تكن تنجح دون ثقة القادة السودانيين، ووجه الشكر للقادة السودانيين والمجموعات المسلحة المُختلفة، وتعلم القارة الأفريقية خاصة والإقليم أن السودان وجنوب السودان دولتان شهدتا أطول نزاع سياسي في الإقليم أثّر على التنمية وفرض على الدولتين طرقاً مسدودة، وبالتالي ليس هناك أيِّ مجال لصراع سياسي يفرض بقوة السلاح، ولا بُدّ من الوصول إلى الحل عن طريق الحوار، والتفاوض هو السبيل المنطقي، ولا يمكن باستمرار حمل السلاح حل المشكلات السياسية وإنما بالحوار والتفاوُض.
طَرح المُبادرة
وأكد سلفا كير رغبتهم الكبيرة وعزيمتهم في طرح المُبادرة لدعم المُفاوضات وبداية السلام من خلال التفاوُض للوصول إلى تفاهمات تُعزِّز فرص السلام الآمن للسودان والإقليم.. وقال إن الوصول إلى سلام في جوبا يُشجِّعنا في التوصل إلى سلام في السودان، ونحن نتقّدم بثقة في هذا الاتجاه وبناء حكومة الوحدة الوطنية بعد ضياع (5) سنوات، وقال ان هدفنا الوصول إلى سلام شامل والاستقرار والتعايُش السلمي حتى ينعم شعبا البلدين ليس فقط بالسلام، وإنما بالتنمية والتقدم، وأشار إلى أن الجنوب يُشارك السودان في أطول شريط سُكّاني حدودي في القارة ويهمنا السلام على الشريط الحدودي، واعتبر السلام في الدولتين يُعزِّز السلام على الحدود.
الثقة والقُدرة
ونوّه سلفا كير إلى التحديات التي تواجه القارة الأفريقية منها الخلافات، بيد أنه قال: لدينا الثقة والمَقدرة في إنجاح المسار السلمي، وإذا توافرت الإرادة والثقة السياسية سيعم السلام الدولتين وسيدعم الاستقرار بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ودعا الحركة الشعبية إلى شراكة في تحقيق السلام بالسودان، وناشد الأطراف الإقليمية والدولية لوضع أيديهم مع بعض ومُساعدتهم لإعادة الاستقرار إلى السودان، وأكد أن سلام السودان مُهمٌ للقارة الأفريقية والمنطقة ولذلك سندعم السودان في هذا الظرف، مُؤكِّداً أنّه إذا لم يكن هنالك سلامٌ في السودان لن يكون هنالك سلامٌ واستقرارٌ في الإقليم، وأن غيابه سيزعزع السلام في كل الإقليم خَاصّةً جنوب السودان، وبالتالي لا بُدّ من حَل الخِلافات حتى نستطيع أن نتقدم إلى الأمام.
دعم السلام
وقال سلفا كير إنّ شعبنا عانى كثيراً في الإقليم، وشدد على ضرورة دعم السلام في البلدين، ولفت إلى أن الصراع سَيُعَرِّض الشعب إلى الهجرة والنُّزوح، ورأى أن كثيرين مُعرّضون للهجرة إلى أوروبا، وبالتالي آن الأوان لإيقاف الصراعات والنزاعات والحروب وتعزيز الرفاهية لشعوبنا في الإقليم، وآن الأوان لأن نتعاون وندعم بعضنا البعض وإبعاد أيِّ اتجاه سالب والتعلم من كيف نحل مشكلتنا بالوسائل السلمية وليس باستخدام القوة التي لا تقود إلى أيِّ هدف وإنما الدمار وتعطيل البلاد، وقال على المجموعات السالبة أن تعيد التفكير وتنضم إلى السلام وهو أفضل طريقة لحل الخلافات.
إرادة سياسية
واعترف رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس أنّ هذا التّحوُّل وفّر إرادة سياسية وروح شراكة جديدة ومناخاً جديداً مُناسباً للبحث عن السلام الشامل العادل ووقف الحرب والاقتتال وإنهاء مُعاناة الشعب السوداني لتحقيق الأمن والاستقرار والتّحوُّل الديمقراطي من أجل سودانٍ جديدٍ ينهض بالسلام والحرية والعدالة، وأكّد أنّ الوقت قد جاء لطي صفحة الماضي المُظلم، وفتح صفحة جديدة في السودان، وذلك بتجاوز إخفاقات الماضي والفشل في إدارة التنوع والعمل على إنهاء ظاهرة التهميش السياسي المُتعمِّد والظلم الاجتماعي والحرمان الاقتصادي الذي قاد إلى حروبٍ طاحنةٍ.
جذور الأزمة
وقال إدريس: جاء الوقت لمُخاطبة جُذُور الأزمة السودانية الماثلة للعيان، وعبّر عن رغبة الجبهة الثورية الصادقة واستعدادها الكامل وبإرادة وافرة في العمل على تحقيق السلام والاستقرار في السودان، وذلك بالدخول في عملية سلمية جادة، تُعلن عن التزامها الكامل بإعلان جوبا، وترغب في مُناقشة التّفاصيل الكفيلة لدفع العملية السلمية من أجل الوصول إلى اتفاق سلامٍ شاملٍ.
تفويض واضح
وقال إدريس إنّ قضايا العدالة والمُساءلة والمُحَاسبة وإنصاف الضحايا ومُحاربة ظَاهرة الإفلات من العِقاب ووقف الاِنتهاكات الجَسيمة لحُقُوق الإنسان والاعتداءات المُتَكَرِّرة ضد المُواطنين، تُعتبر من القضايا الأساسية التي لا يَتحَقّق السَّلام إلا بمُخاطبتها، مُؤكِّداً على أهمية دَعم ومُساندة بلدان الإقليم والمُجتمع الدولي للعملية السلمية، وعَلَى ضَرورة وجود تَفويضٍ واضحٍ من الاتّحاد الأفريقي وسند المنظومة الدولية تُمكِّن الأطراف السودانية من الدخول في عملية سياسيةٍ ناجحةٍ، وذلك بتفعيل إعلان جوبا وتنفيذ بنوده كَافّة بما في ذلك وقف العدائيات الإنسانية وإطلاق سراح جميع الأَسرى دُون قَيدٍ أو شرطٍ، ومُناقشة التفاصيل الضرورية المُتعلِّقة بعملية السلام بغية الوصول إلى سلام شامل.
نازح ولاجئ
وأبان إدريس أنّه في الوقت الذي نجتمع فيه اليوم، هُنالك ما يزيد عن خمسة ملايين سوداني ما بين نازح ولاجئ، والسلام أولوية ليس فقط لوقف الحرب في السودان، ولكنه سيؤدي إلى مُعالجة مسألة اللجوء والنزوح، كما سيؤدي إلى الاستقرار الإقليمي والازدهار والنماء، وقال: آن الأوان لإقامة نظام جديد في السودان وفق ترتيبات سياسيّة جديدة تستند على المُواطنة المُتساوية، والسلام مَدخلٌ لإقامة هذا النظام المنشود.
عقل مفتوح
فيما أعلن رئيس الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو في الجلسة الافتتاحية أنّ وفد الحركة جاء إلى جوبا بعقلٍ مفتوحٍ لتحقيق السلام، مُشيراً إلى أن السودان يحتاج إلى إدارة التنوُّع والتخلُّص من الاتّجاه (العروبي والإسلامي الذي سجنه فيه النظام السابق).