قُلنا لا يَستقيم عقلاً ولا منطقاً وجود ماثل للشرعية الدستورية والثورية معاً في ذات (الزمكان).. ومثل ذلك فإن إعلان حالة الطوارئ يتبعه تعطيل الدستور، كما أنّ المعضلة المُضافة أنّ الوثيقة الدستورية (بنسختيها) أنتجت ووقعت واُستبدلت وقانون الطوارئ سارٍ مثلما أدعو.. فمن يحتاج لمن؟!
لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار.. يا “سمك، يا لبن، يا تمر هندي”.
على كُلِّ حَالٍ نحن أمام ثلاثة مُصطلحات يُراد لها أن تحضر بقوة:
1/ حالة الطوارئ وهي مُخَصّصة فقط – حتى الآن – لإبقاء رموز النظام السابق في كوبر!!
2/ الوثيقة الدستورية.. وتلك حكاية أخرى لا تنقضي ولا تبلى.
3/ الشرعية الثورية..
باختصار (ومن الآخر) علينا أن نختار واحداً من الثلاثة تحت (سقفنا وسقوفاتنا).
حالة الطوارئ حالة استثنائية مُحَدّدة الزمان والمكان وبشروط حازمة منعاً للاعتساف.. ومُخالفة هذه الشروط تضع الحكومة تحت طائلة البطلان وفقدان المشروعية.
وحالة الطوارئ التي أبدع (القحتاويون) في احتضانها ببراعةٍ ومن ثَمّ تسكينها – على جنب – وإصدار ثم تعديل الوثيقة الدستورية.. فيما يشبه اللوحة السيريالية ذات المدارس اللا منطقية العبثية المتعددة.
فمن أطلق حالة الطوارئ؟!
أعلن ابن عوف في يوم بيانه الأول 11 أبريل عن حالة الطوارئ، ولكننا لم نَرَ مرسوماً بذلك!! فلم يُمهل ولم يُسأل!! وذلك هو الخطاب الوحيد الذي ذُكر فيه حالة الطوارئ.. البرهان لم يفرضها وذُكر خطأً في بعض وسائل الإعلام أنه ألغاها.
جاء في الوثيقتين الدستوريتين ما يلي:
(تُعتبر المراسيم الصادرة من 11 أبريل 2019 وحتى تاريخ التوقيع على هذه الوثيقة الدستورية سارية المفعول ما لم تُلغَ أو تُعدّل من قِبل المجلس التشريعي الانتقالي…).
إذن فالنية مبيتة!! لاحظوا التاريخ مرتبط بأيام ابن عوف وليس البرهان.
ثُمّ إنّهم بإلهام لدني عجيب أضافوا تعقيداً آخر وعجيباً حين أكثروا الحديث عن (الشرعية الثورية).. كلنا مُقيمون في هذا الداء اللعين نَمسك في الحاجة (نوايكها) لامن تمسخ.
الحالة الثورية إنّما هي حَالة خَاصّة مُؤقّتة تنتهي بتعديل أو إقامة المُؤسّسات الدستورية.
فمنذ يوم القبول بحمدوك والسيادة (ناس الغبائن دقسوا).
أي إخلالٍ أو تَجاوُز مُعلّق في رقبة السيادة وحمدوك.. الغلط والاجتراء قبلها ما منسوب لأيِّ زُول.. في زول مُمكن يَقُول الجَماهير غَلطانة؟!
نَجَحت الثورة وجاءت مُؤسّساتها و(ساطع الحاج) و(ابتسام السنهوري)، وأُسدل الستار على مَرحلةٍ لتقوم بذمتها مرحلة أخرى.
لا يتصوّر أن نطلب من تلك المُؤسّسات أن تتخلى من واجبها القانوني لتنضم للفوضى.. هذا أمرٌ ضد حركة الحياة وقوانينها.. والشعب يريد حياة طبيعية وليست ثورة الصداع الدائمة التي لا يُمكن تصوُّر استمرارها (إلى أبد الآبدين).
اِستمرار التذاكي غَير الشّرعي غَير مُجدٍ ولا مَقبول وهو بَاهظ الكُلفة، قَليل العَائِد.
ثُمّ أنّ تلك الروح الثورية لا بُدّ من الأخذ بيدها إلى طَلاقة (الاعمار) وسعته الفَسيحة المُستحقة بدلاً من حصرها في (الحلاقيم)، مثلما قال في ذلك الشيخ الشعراوي: (الثائر الحق الذي يَثُور ليهدم الفساد، ثُمّ يهدأ ليبني الأمجاد).
الإصرار على إبقاء أولئك الأولاد زماناً آخر في (الشوارع) مع (اللساتك) و(الملتوف)، جريمة في حق المُستقبل.. وهو إصرارٌ مردودٌ عليه من ذات الجماهير المطلوب كثافة حضورها فيما قُضي فيه.. لأن الجماهير في حركتها وثورتها ورضائها وانقيادها مثلها ومزاج البحر في مَدِّه وجَزره.. لها قوانين خاصّة ليست من صنع الغُرف المُغلقة، ولا الأهواء والأجندة الماسون ولا سيد عليها!!
ولن تنقض الجماهير غزلها من بعد قوة انكاثا…
أما الإصرار والتربص المُستمر – تدثراً بشرعية ثورية مدعاة – فلن ينتج سوى شرعية ثورية مضادة.
(لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)..
لننطلق الى نماذج (الحفترة) و(الحوثنة) والتي تغرق فيهما أجزاء عزيزة منا.. ولسنا محصنين من الانزلاق.. والوجدان الشعبي يعرف أن: (ليبيا واليمن.. ضياع زمن).
عن التراضي والتّوافُق نبحث، لتنتصر الثورة بـ(النقاط) عِوضاً عن (الضَربة القاضية).
و(الإكراه) يجعل نصف الناس (حمقى) ونصفهم الآخر (منافقين).
ومثلما قال بيان (تجمُّع المهنيين) الأخير:
(نتوق الى سوح تنكر الجور وتعاف الظلام).