تقريرــ عبد الله عبد الرحيم
رغم الحذر والغموض الذي ضرب بإرهاصات انطلاق منبر جوبا المحدّد له اليوم، إلا أن الإجراءات وفقاً لمتحدث باسم المجلس السيادي أفاد (الصيحة) بأن التفاصيل سارت بسلاسة ومقبولية من قبل كل الأطراف التي أكدت تواجدها اليوم بجوبا عاصمة دولة الجنوب، والتي يشهد افتتاحها اليوم الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة، والفريق أول سلفاكير ميارديت رئيس جنوب السودان بحضور الوسطاء من دول الجوار والمنظمات الإقليمية والدولية، ووفد التفاوض السيادي الذي يمثل السودان، بجانب وفود الحركات المسلحة التفاوضية، في ظل غياب واضح لرئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد النور.
وقد أكدت جوبا استعداداتها تماماً لافتتاح المنبر في وقته المحدد اليوم، وأرسلت خطابات الدعوة لكافة الجهات المعنية بعملية السلام في السودان وأطراف العملية التفاوضية.
حميدتي في جوبا
وترأس الفريق أول محمد حمدان دقلو وفد المقدمة الحكومي لمفاوضات جوبا، والذي وصل إليها أمس مترئساً وفد التفاوض، فيما يصل رئيس المجلس السيادي اليوم. وقال العميد د. الطاهر أبوهاجة لـ(الصيحة)، إن رئيس المجلس السيادي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان سيشهد افتتاح المفاوضات بجوبا بجانب رئيس دولة الجنوب الفريق أول سلفاكير ميارديت.
يأتي هذا في وقت أكدت فيه بعض الأطراف من الحركات المسلحة بالداخل حضورها انطلاق منبر جوبا في محاولة منها لدفعه، ولأجل تخطّي عقبة شيطان التفاصيل بحسب قولهم. وأكد الأستاذ عبد العزيز سليمان أوري رئيس حزب الحرية أنه استطلع آراء رفاقه في الحركات المسلحة المختلفة وأكدوا له أن المفاوضات الراهنة ستكون الأخيرة وسيحققون من خلالها السلام الشامل وفقاً لتعاطي الحكومة مع أجندة التفاوض.
وفد مقدمة الحكومة:
يأتي منبر جوبا، والساحة السياسية أصبحت أكثر تعرّضاً لتغييرات المشهد السياسي الراهن الذي اختلط بموازين عديدة مُتقلّبة منها ما هو داخلي، وهو الذي يتعلق بالضغوط الداخلية للقوى السياسية، بينما تطل من الخارج ضغوط هي الأقوى دفعاً للالتزام بالانخراط في عملية التفاوض لاستكمال مقتضيات المرحلة الراهنة، واستباقاً لهذه الجولة التفاوضية بين الحكومة والحركات المسلحة (الجبهة الثورية) المقررة اليوم، وكانت الجبهة الثورية وأعضاء من المجلس السيادي، قد دخلوا في اجتماعات مشتركة بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، بدعوة من مركز السياسات العامة والقانون الدولي الأمريكي، جرى خلالها التباحُث حول التحضيرات الجارية لمنبر التفاوض القادم حسب المواعيد المتفق بشأنها مسبقاً.
وأكد الناطق الرسمي باسم الجبهة الثورية، أسامة سعيد لـ(الصيحة) أن الثورية تدخل المفاوضات القادمة برؤية مختلفة وإرادة قوية لتحقيق السلام العادل والشامل في السودان، موضحاً أن الجولة القادمة تعتبر السانحة الأخيرة لتحقيق السلام وإنهاء الحروب في السودان، وأبان أن “الحرب” لن تنتهي إلا بمخاطبة جذورها وأسبابها وأن الطرفين عازمان على مخاطبة هذه الجذور كقضايا التهميش والظلم، إضافة لكيف يُحكَم السودان.. وجزم بأن التفاوض هذه المرة سيكون وفق رؤية وإستراتيجية جديدة تُوقِف الحرب وتُقلّل كلفة معاناة المواطنين، وترفع عن كاهلهم تبعات فواتير الحرب وتفضي لبناء دولة مستقرة وآمنة.
غياب “عبد الواحد”
ويقول بروفيسور الفاتح محجوب مدير مركز “الراصد” والمحلل لـ(القوات المسلحة)، إن الجوَ العام الآن مناسب للوصول للسلام لاعتبار أن الحركات المسلحة فعلياً على الأرض وضعها العسكري غير مؤثر، وبالتالي فإن أية أحلام لها لتحقيق مطالبها عبر انتصارات عسكرية، أصبح نوعاً من الخيال. وبالنسبة للحكومة قال الفاتح إن الظرف الاقتصادي ضاغط ويجعل من إحلال السلام مسألة ضرورية وملحة وضغط المجتمع الدولي نفسه الذي يطلب من الحكومة السودانية إحلال السلام، ولذلك نظرياً بات مهيأ للتوصل إلى سلام يشمل معظم الحركات.
وقال محجوب، إن حركة عبد الواحد هي الوحيدة الغائبة عن ماراثون التفاوض باعتبار إنه لا زال لديه رأي في كل ما يحدث في السودان من تغييرات سياسية. مؤكداً بأن عبد الواحد شخصية مختلفة ويصعب لحد كبير توقيع اتفاق سلام معه، مشيراً إلى موقفه في منبر أبوجا الذي كاد أن يوقع على الاتفاق لولا تدخل أفورقي وارتشائه بمبلغ مائة ألف دولار، وفقاً لميدي فريزر مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية، منذ ذلك الحين أصبح النور يرفض أي اتفاق وأي تفاوض، ويرى أن وجوده خارج الاتفاقيات والتفاوض أسلم له ويجعله في وضع مريح، ولهذا لا أظن أن جهة ما سوف تنجح في إلحاق عبد الواحد بمنبر التفاوض.
أما على الأرض الآن، فإن معظم قواته العسكرية تخلّت عنه والدليل على ذلك ذهاب أكثر من (12) فوجاً سياحياً لجبل مرة. لذا الأفضل للحكومة أن تُسارع في التفاوض مع الحركات المسلحة الحالية بمعية الحلو الرجل الأهم في هذه الجولة على أن يشمل التوقيع الجميع.
مشاركة “الحلو”
واتفق دكتور السر محمد علي الأكاديمي والمحلل السياسي، مع ما قاله الفاتح محجوب من أن الجديد في المفاوضات هو مشاركة عبد العزيز الحلو الذي لديه مطالبات كثيرة ومتنوعة مثل رفعه سقف تقرير المصير للحصول على تنازلات كبيرة فيما يختص بحجم السلطات التي يمكن أن تمنح لولاية جنوب كردفان.
وأكد محجوب أن حركة واحدة من هذه الحركات هي التي تمتلك السلاح وهي حركة عبد العزيز الحلو، في ظل انحسار غريميه مالك عقار وياسر عرمان وعدم امتلاكهما ما يمكن أن يخضعا به عدا الحلو. لكنه أكد أن الوضع التفاوضي للحكومة جيد، وأنها تستطيع أن تصل لاتفاق سلام معقول ومتوازن ولا شيء يجبرها على تقديم تنازلات على المستوى القومي لا تتفق وروح الثورة، معرباً عن تفاؤله بالتوصل إلى نقاط في الجولة الأولى تقود للتوقيع في الجولة المقبلة مُستبعِداً إمكانية الوصول لاتفاق خلال الجولة الأولى.
وأشار الفاتح إلى التنازلات الكبيرة وسط الحركات المسلحة على مستوى ولايات السودان والمجالس التشريعية، ولذلك أصرت الحكومة على تأخير اختيار ولاة الولايات وتعيين البرلمان إلى حين اكتمال السلام، باعتبار أن البعض من هذه الحركات تنادي بحكم شبه ذاتي لهذه الولايات، وبالتالي يريد أن يحكم هذه الولايات وفق اتفاقيات سلام، مؤكداً أنه السبب الأساسي لمسألة إرجاء تعيين ولاة الولايات إلى حين اكتمال ملف التفاوض مع الحركات المسلحة.
عقدة الترتيبات الأمنية
وحول الاتفاق على بداية التفاوض خلال الجولة الراهنة بملف الترتيبات الأمنية التي تعتبر حجر الزاوية التي أعاقت كل اتفاقيات السلام السابقة يقول الفاتح إن الترتيبات الأمنية من الأهمية بمكان، ولكنه لا يمكن إجراء مقارنة بين المنابر المختلفة في عملية الترتيبات الأمنية بقوله إن الوضع الآن مختلف، ولا يوجد وجه للمقارنة، مؤكداً أن (أبوجا) كانت تُواجَه بعدم رضا القيادات الميدانية لمناوي التي انشقت عنه لاحقاً وشكلت حركات مسلحة أخرى وانضمامها لحركات مغايرة.
مشيراً إلى أنه السبب الذي جعل مناوي يخرج من القصر وجعله في موقف ضعيف على الأرض فالتحق بالميدان لجمع قواته مرة أخرى حتى لا يتم استبداله. وأكد أن مناوي والآخرين اليوم كلهم يمتلكون تجارب قديمة كما أن الحكومة أيضاً تملك ذات التجارب في (نيفاشا والدوحة وأسمرا)، مؤكداً أن الوضع الآن مختلف، فلا جدوى لامتلاك هذه القوات، لأن الحكومة السودانية تسيطر على كل الارض مما يساعد على إكمال ملف الترتيبات الأمنية دون تعقيدات والتي أشار فيها إلى أنها لن تشهد أية تعقيدات كما كان يحدث في الماضي لسيطرة الحكومة على الأرض وخلوها من سيطرة الحركات التي أكثر نشاطها وتواجدها في الخارج.
فيما أشار السر إلى أن عملية الترتيبات الأمنية كانت الفاصل في معظم الاتفاقيات والأكثر تأثيراً في استدامة تلك الاتفاقيات من زوالها، مشيراً بذلك إلى الترتيبات الأمنية التي جرت خلال نيفاشا والتي فيها احتفظت الحركة الشعبية بتمام جيشها مما سهل لها عملية الانفصال المبكر، مشيراً إلى أنه إذا ما تم دمج القوات في جيش واحد يمثل الدولة السودانية لما كان قد انفصل الجنوب.
وتطرق السر إلى إبوجا وقال إن الحكومة والحركة فشلا في دمج القوات وإكمال ملف الترتيبات الأمنية مما دفع الجنود الذين وجدوا أنفسهم على قارعة الطريق للانضمام لحركات مسلحة أخرى قبل أن يلحق بهم مناوي نفسه. أما الدوحة فلا زالت قيادات الحركات المسلحة التي وقعتها تشكو من عدم إكمال ملف الترتيبات الأمنية معها بل أن الكثير من الفصائل المسلحة أعادت الكّرة من جديد وانضمت للحركات المسلحة التي تفاوض الحكومة الآن في جوبا.