خيار كيميائي..!
“عندما تكون على وشك الزواج اسأل نفسك هذا السؤال: هل تعتقد أنك ستكون قادراً على التحدث بشكل جيد مع هذا الشخص في سن الشيخوخة؟. أما كل شيء آخر في الزواج فهو عابر” .. فريدريك نيتشة ..!
استوقفتني رسالة طويلة من إحدى القارئات، تقول إنه قد تقدم لخطبتها ثلاثة رجال، أكفاء، عدول، أو هكذا يتم تصنيفهم وفقاً للقناعات السائدة، لكن ولعها بالتفاصيل وإصرارها على عدم الخوض في تجربة زواج فاشل – وهي المطلقة في مجتمع لا يرحم – يجعلها تقف حائرة أمام بعض الأسئلة التي تمور في داخلها، فضلاً عن الضغوط النفسية التي تعيشها بسبب إصرار أسرتها على “كسب الوقت” لأن العمر يمضي ولأن الوحدة في الكبر بلا زوج وبلا أبناء هي مصير النساء المطلقات ..!
الأول موظف مرموق وأب لثلاثة أطفال، متفهم لطموحها المهني، أما زوجته فسيدة فاضلة، وأم متفانية، وزوجة مخلصة، لكنها ليست امرأة عاطفية على الإطلاق، بل سيدة عملية جداً، اختارت أن تصبح آلة، وهو لا يريد أن يقضي بقية عمره رجلاً آلياً .. صديقتي القارئة تقول إن هذا السبب “الفطير” أقلقها، وأنها كانت تنتظر أسباباً أكثر إقناعاً وأقل أنانية ..!
الثاني مغترب، ولأنه صديق قديم لأحد أشقائها فهو يفترض أن كل الأسئلة مكررة، وأن كل التفاصيل مملة .. يكفي أن زوجته السابقة مدللة، نشأت خارج السودان، وأنه كان أمام ورطة اسمها “اختلاف التربية والبيئة”، وبعد أن رزق منها بطفلة، تفاقم طول وعرض وارتفاع المسافة الفاصلة بينهما، فتم الطلاق الذي يقسم هو على أنه من غير رجعة .. لكنها لاحظت أن معظم الأفعال التي يستنكر هو صدورها عن طليقته كانت شبه طبيعية ومردها إلى اختلاف النشأة وتباين الطباع، وهي لا تستوجب ردود الأفعال القاسية التي يفاخر هو بأنه قد أصر على اتخاذها .. هو لا يقبل بأن تكون زوجته زعيمة على أنقاض زعيم .. وهي تخشى أن تندرج بعض مواقفها وردود أفعالها – إن هي أصبحت زوجته – تحت ذات المسمى ..!
الثالث، زميلها في العمل، لم يسبق له الزواج، اختارها لأنه فهمها جداً، أحب محاسنها وتأكد من مقدرته على استيعاب عيوبها، وبعد حوار هادئ وطويل بين عقله وقلبه قرر أن يطلب الزواج منها، وهو على العكس من الرجلين الآخرين لا يكبرها بأعوام كثيرة، لكنه قليل المال، رقيق الحال، ويحتاج نجاح زواجهما – إن هي قبلت به – أن يتشاركا رحلة كفاح شاقة لتأمين متطلبات الحياة .. وهي تخشى – إن دخل الفقر من الباب – أن يهرب الحب من النافذة ..!
عزيزتي (س.ع) صاحبة الرسالة ..
من المؤسف حقاً أن الزوج المناسب ليس عقاراً يباع في الصيدليات، وإلا لما كنا تجشمنا عناء التجريب والفشل – وعلى ذكر الصيدليات – أقلقني جداً أنك لم تحدثيني عن “الكيمياء” بل اكتفيت ببعض المعادلات الرياضية.. وقد بدا لي أن منهجك في التفكير يكبله الحذر والخوف، مع أن “سوقك حار” وهذه دلالة دامغة على أن موجبات الثقة بالنفس، والمقدرة على صنع النجاح، في شخصيتك، أكيدة وعديدة ..!
وعليه بكل اختصار واحترام لثقتك وامتنان لحسن ظنك أقول: لو كنت مكانك ساستبعد الخاطب الأول لأن قرار الزواج من أخرى يحتاج إلى فكرة مقنعة، وحجة لها سيقان راسخة على أرض المنطق، أسباب حقيقية تخصها هي وتتعلق بهما معاً وليس العكس .. هذا الرجل يستعد لإجلاسك على مقاعد البدلاء، فاجتنبيه .. ولو كنت مكانك – يا عزيزتي – ساستبعد الثاني أيضاً، هذا رجل يريد أن يرضي غروره، وأن يؤدب طليقته بالزواج منك، فإما أن يمشي الحال وإما أن يمشي هو .. لا تتزوجي هذا الرجل ..!
فكري في الخيار الثالث بمعادلات الكيمياء وليس حسابات الرياضيات .. هذا الرجل الواثق بك والواثق بنفسه هو لوحك الأبيض الذي ستكتبين عليه بكل يقين ما يسركما معاً، وتمسحين عنه بذات اليقين ما يسيئكما معاً .. تذكري أن المال أحياناً لا يجلب السعادة، لكن السعادة في الغالب هي التي تجلب المال والعيال .. وتذكري أيضاً أن أجمل العلاقات الزوجية وأقواها هي التي تنهض على فضيلة المشاركة ..!
منى أبوزيد