تحوُّلات لافِتة في السياسة الخارجية..
من الضروري أن نلحظ التطوّرات الجارية في البلاد على صعيد التعاطي مع ملف العلاقات الخارجية والقضايا الإقليمية والدولية، وقد برهنت الأيام الماضية أن قصة الاصطفاف مع محور عربي ضد آخر لم تعُد ذات بال، وتجاوَزها أصحاب القرار السياسي بالنظر إلى مصلحة البلاد والمنافع المشتركة، دون المساس بالعلاقات الخاصة والتاريخية التي تربطنا بالأشقاء والأصدقاء.
ومنذ البداية، كان المجلس العسكري السابق قد أعلن عِدة مرّات أنه ينتهج سياسة مُتوازنة لا تنظُر إلى ما يحدُث في المنطقة العربية خاصة الساحة الخليجية نظرة تحيُّز أو وقوف مع طرفٍ ضد طرف، رغم أن السودان جزء من التحاُلف في حرب اليمن، لكن ذلك لم ينسحب على مواقف دول خليجية أخرى في خلافها مع غيرها، وهذا هو عين التعقُّل السياسي الذي ينبغي أن يكون.
وقد حاوَلتْ بعض الجهات تفسير لقاءات رئيس الوزراء عبد الله حمدوك خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً خاصة تلك التي جمعته مع الرئيس التركي أو أمير قطر بأنها مُراجعات لتوجّه السودان من الأزمة الخليجية، وتم تأويل ذلك وربطه بالتدفئة في خطوط التواصُل مع الدوحة التي تُوجّت بزيارة مبعوث خاص من وزير الخارجية القطري لشؤون الإرهاب وإنهاء النزاعات الذي زار الخرطوم مؤخراً والتقى بالفريق أول محمد حمدان دقلو وبرئيس الوزراء.
واقع الزيارة وما تمّ فيها، يشير إشارة واضحة إلى أن هناك بالفعل توجّهات جديدة تم فيها إصلاح أو تصحيح مسار العلاقة وإزالة سوء الفهم السابق في العلاقة مع دولة قطر التي وقفت مع السودان وأسهمت في إنهاء النزاعات في دارفور بتوقيع اتفاقية الدوحة التي لولاها لما عرفت ولايات دارفور منذ العام ٢٠١٢ م طعم السلام والطمأنينة، ولعبت الدوحة من واقع تلك المسؤولية تجاه الاتفاقية والروابط السياسية والأخوية دوراً في الاستقرار المجتمعي والاقتصادي في دارفور من خلال دعمها للتنمية وإعادة الإعمار. ومن جهة أخرى وقوفها مع السودان مثل دول الخليج الأخرى المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات وسلطنة عُمان والبحرين في إقالة عثرات الاقتصاد السوداني، وفي رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة من الولايات المتحدة الأمريكية.
لا يربُط السودان سواء كان في عهد النظام السابق أو الحالي، علاقاته مع الدول على حساب دول أخرى، ولا ينسى كذلك من وقَف معه في عُسرته وأزماته، إذا كانت دولة قطر التي زار مسؤولوها السودان عند توقيع الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، ثم زيارة المبعوث الأخير مساعد وزير الخارجية القطري الأسبوع الماضي، تنظر إلى كيفية تطوير العلاقة بينها والسودان، وهي تعلم أنها ليست خصماً على علاقة السودان بغيرها، فإنها بما تمتلكه من خبرة وسابقة جعلتها من قبل تنجح في وأد الحرب وإخماد نيرانها في دارفور، عليها مواصلة دورها والإسهام في تحقيق ما تبقّى من سلام بتسريع وتيرة التفاوُض مع الحركات غير المُوقِّعة والعمل مع أطراف إقليمية ودولية على إقناع هذه الحركات بالانضمام للمسيرة السلمية وإلقاء السلاح والانخراط في التنمية والسلام وتعزيز التحوُّل الديمقراطي.
ولسنا في حاجة لتذكير الدوحة بما ستفعله، لكنها ستجد بلا أدنى شك كل الأبواب والقلوب مُشرَعة.
وغير خافٍ أن هناك تفهُّماً كامِلاً من أطراف الأزمة الخليجية أن الخرطوم ليست طرفاً يُمكن أن يتورّط في خلافاتها، بل سيكون عنصراً إيجابياً لتجاوُز هذا الخلاف، ولا يزال فاعلاً في دعم أية مبادرات تجتهد لحل الخلاف الخليجي وإعادة اللُّحمة كما كانت..