*أحد الدعاة المعروفين كان في زيارة للسودان، وتسهيلاً لحركة مروره في الطرقات العامة خصص له شرطي مرور ليفتح له الشوارع، قضى أسبوعاً في الخرطوم، وبعد نهاية رحلته وعند مطار الخرطوم قال لمرافقه “والله السلطة مغرية، أسبوع وأنا أسير في شوارعكم دون رحمة فما بال أصحاب الكراسي الذين يجلسون عليها سنوات على هذا الحال”.
*وهكذا هي السلطة تغري من يضعف إيمانه بقضيته أو دينه وتفسد آخرين دون أن يشعروا، وعلى مر التاريخ، هناك الكثير من أصحاب القلوب النظيفة اتسخت سيرتهم بعد أن جلسوا على كرسي السلطة.
*وأذكر جيداً في حوار قناة الجزيرة الفضائية مع الراحل د. حسن الترابي، سئل عن فساد الإسلاميين في السلطة، فقال له الترابي “الخطأ الأكبر للمشروع الإسلامي في السودان أنه لم يعتبر من التاريخ الإسلامي الذي يوضح الفساد بعد التمكّن من السلطة”.
*الملك المنصور الذي حكم الأندلس جاء إلى قرطبة ليتعلم شئون الدين في جامع قرطبة، وكان من العابدين المستقيمين، وعندما سار في درب السلطة لم يتذوق طعم النوم بعد قتله أول إنسان، ولكن بعد ذلك أصبح “قطع الرقبة” عنده كشرب الماء.
*أفسدته السلطة وتجبّر وظلم وقتّل وهو لم يكن سوى طالب علم في أكبر مساجد الأندلس والعالم في تلك الحقبة.
*الملك المنصور بعد أن جلس على كرسي السلطة حاكماً لقرطبة قتل ابن عمه وقتل صديقه، وكل من كان يقف في طريقه، فكرسي الحكم له بريق وشهوة أقوى من الشهوة الجنسية.
*وفي السودان فعلت السلطة فعلتها مع الكثيرين، وآخرها عندما أعلن الفريق أول عوض أبن عوف بيان اللجنة الأمنية والإطاحة بالإنقاذ وتمديد حالة الطواري، وجد البيان رفضاً من الشارع العام خاصة تمديد حالة الطوارئ.
*الكثير من القادة السياسيين وقادة قوى الحرية والتغيير كانوا يرون أن الطوارئ فيه تكبيل للحريات وهم أتوا من أجل الحريات هذه.
*وبعد الجلوس على الكرسي، وافقت قوى الحرية على تمديد قانون الطوارئ الذي يكبل الحريات التي كانوا يطالبون بها.
*الآن سنرى الفيلم كاملاً في الحكومة الانتقالية، وذاكرة الشعب السوداني لا تنسى أبداً ما يسجله التاريخ، وبدأنا نرى فعلياً نسيان دماء الشهداء ونسيان المطالب التي كانت ترفع عبر لافتات كبيرة تجوب الشوارع من الشباب المتظاهرين، ونسيان الأيام العصيبة في ميدان الاعتصام بالقيادة العامة، ونسيان الكثير من شعارات الثورة التي استشهد فيها الكثير من شباب السودان في المواقع المختلفة.
*الفيلم بدا منذ شهر يزيد قليلاً، ولن ينتهي قريباً وسنرى نشوة السلطة التي ستنسي أصحاب الكراسي الوثيرة الكثير من قضايا الكادحين في ربوع بلادي الكبيرة.