“الفساد يهبط من أعلى إلى أدنى، والإصلاح يصعد من أدنى إلى أعلى” .. محمد عبده ..!
يبدو – والله أعلم – أن الفراغ الدستوري، طيب الله ثراه، بريءٌ من تهمة تكرار انقطاع الكهرباء وإهمال البلاغات، براءة الذئب من دم ابن يعقوب. وكنا قد ناشدنا السادة المسئولين – على سبيل التخصيص أو التأقيت حينها – قائلين إن الفراغ الدستوري لا يعني أن يتم استخدامنا كشعب لتصفية حسابات سياسية، بين الدولة العميقة وهذه الثورة الشعب. ثم، ها هي القضية تتحول إلى مسلسل لا نهائي الحلقات، حتى كادت دموعنا أن تغرق الشاشة، على طريقة إلهام شاهين في دراما التسعينيات..!
كانت الحجة المتكررة قبل تشكيل هذه الحكومة هي أن “المكتب يعمل بعربة واحدة، وهي الآن في مهمة خارج المبنى” – بعد سحب عربتين من كل الأقسام بدعوى الصيانة – وقد كتبت حينها كيف وافق أحد المهندسين – بعد لأيٍ واستعطاف – على مرافقتنا إلى حيث ما يسمى بالأمية، وهناك قام الرجل بفتح الصندوق ورفع ما يسمى بالسيركل بريكر، فعاد تيار الكهرباء. هكذا بكل بساطة!، ولو لم نجتهد في الإلحاح لما اكترثوا ..!
هذا ما كان من أمر طرائق التعامل مع بلاغات انقطاع الكهرباء قبل أن يصبح لهذا الشعب حكومة ومجلس وزراء. ولم تتغير الحال كثيراً بعد ذلك. فأين الإصلاح الإداري، وأين التطوير المؤسسي الذي كان جزءاً من مطالب هذه الثورة؟!. دعك من انقطاع للكهرباء طوال الليل، ثم معاودتها الانقطاع في الصباح. دعك من استمرار انقطاعها وتكرار ذلك الانقطاع دون أي ترتيب منطقي أو برمجة معقولة. ماذا عن البلاغات الخاصة بعدادت المنازل ..؟!
هل يعقل أن يضع المواطن جهاز هاتفه المحمول على أذنه قرابة ساعة كاملة، آناء الليل وأطراف النهار، بعد أن يخبره ذات التسجيل الصوتي أن ترتيب مكالمته في كشف استقبال المكالمات هو “71” أو “102” .. إلخ .. ثم يقدم بلاغاً بشأن انطفاء شاشة عداد الكهرباء في منزله، فيقوم الموظف المسئول بتدوين البلاغ، ثم يبقى الحال عليه، ليعاود الاتصال مرة أخرى .. وهكذا دواليك .. قرابة الأسبوع ..؟!
وبعد لأي وإلحاح يتم إبلاغه بأن هنالك بلاغاً مدون باسمه، ثم يعاود الانتظار قرابة الساعة في كل مرة ليسأل الموظف المسئول “ماذا فعل الله ببلاغه ذاك”، وهو يحاول – في كل مرة – أن يشرح المعضلة “يا جماعة الخير شاشة العداد عندي معطلة، وفي حال انتهاء ما اشتريته من كهرباء لن أستطيع شحن كهرباء” جديدة. فيسمع ذات الإجابة ..!
ثم هل تعلم أن أحد أصحاب تلك البلاغات الموقوفة على إجازة مزاج السادة في إدارة الكهرباء قد سأل الموظفة المسئولة عن كلفة كل تلك المكالمات – المليئة بساعات الانتظار – فما كان منها إلا أن أجابته في لا مبالاة بأن “مكالمات بلاغات الكهرباء، ليست مجانية”، بل مدفوعة القيمة من جيب المواطن، الذي لا ذنب له في تلكؤ الموظفين في الرد على مكالماته، والذي لا ذنب له في تقاعس إدارة الكهرباء في منطقته عن إصلاح العطل الذي اضطره إلى تسجيل بلاغ ..؟!
إلى السيد وزير الطاقة والتعدين، الذي تحدث الشهر الماضي عن تشكيل فريق قوي لحل المشكلات في كل القطاعات: الكهرباء ليست كالنفط والمعادن، لارتباطها المباشر بمعاش المواطن، ومعظم مشكلاتها محن إدارية وأدواء وظيفية. لذا نرجو أن يبدأ الإصلاح في هذا القطاع من الأدنى إلى الأعلى، وليس العكس ..!
منى أبوزيد