خربشات الجمعة
ـ غيب الموت الأسبوع الماضي بقاهرة المعز أحد أعلام ورموز مدينة نيالا.. وأحد أبرز رجال قبيلة خزام، الأمين البشرى إبراهيم، الذي حملته المنية على أجنحة الطائر الميمون إلى أرض الكنانة لمجاورة المرسي أبوالعباس والشيخ حسين المرزوقي والصالحين من عباد الله الذين ضمتهم أرض مصر..
ولد الأمين ود البشرى إبراهيم بمنطقة الحاجز.. وانتقل مع والده لمدينة الأبيض.. سلك دروب التجارة منذ صغره.. عرف بالأمانة والصدق وحسن التقدير.. قادته شراكة مع رجل الأعمال صديق محمد خير إلى مدينة نيالا.. وهناك ولد الأمين البشرى مرة ثانية.. فتى نابغ كريم.. بيته مفتوح للزائرين وطلاب العلم الذين كانوا يهاجرون من الشرق للغرب، لأن هناك حضناً دافئاً ورجلاً نبيلاً.. وبحي المزاد في نيالا أجمع البقارة والفور والزغاوة والجلابة على الأمين البشرى التاجر الأمين والصادق الصدوق.. كان بيته تكية للمسافرين وفندقاً للعابرين.. تخرج في بيت الأمين البشرى وحرمه زمزم عبد القادر حسن عشرات الطلاب من رهيد البردي وعد الفرسان.. ومن الحاجز والدبيبات والأبيض.. ويستقبل القادمين والابتسامة تعلو الوجه الوضيء.. والقلب النابض بحب الناس..
كان الأمين بشرى رجلاً أمة يؤلف بين الفرقاء، ويجمع شمل أهله.. عاش زاهداً في الدنيا عفيفاً كريماً حتى داهم المرض أبو مصعب الذي تغنت له الحاجة الراحلة فاطمة بنت حسن أجمل القصائد ووشحته قبيلته بثوب الفخر.. داهمه المرض قبل سنوات، ولكنه كان يقهر العجز.. ولا يبالي بمتاعب الجسد يستقبلك بابتسامة ويودعك بدمعة.. حتى كانت ليلة الجمعة التي نعت رحيل الأمين بشرى وغيابه عن الدنيا بجسده.. وبقاء وخلود القيم التي عبر عنها في مسيرته..
في وداع الأمين بشرى لا نملك إلا القول لصغيرته ميساء:
الليلة الخريف ودع سحابو وقفّا
وحزنانة خزام تذرف دموع الطرفة
حليل الأمين سيد الفهم والعِرفة
ورحل يا ميمونة أخوك حامي العرين أبوكفة
(2)
ـ الباحث والمنقب في التاريخ صديق البادي، أصدر كتاباً عن البشير من (كوبر إلى كوبر)، وهي رحلة شاقة بدأت بالتخطيط للانقلاب كفكرة في مخيلته مثله وأي ضابط سوداني تعزف له موسيقى التخرج من الكلية الحربية.. لن ننسى أياماً مضت لن ننسى ذكراها.. وفي مخيلته (انقلاب) يقوده بنفسه أو مع ثلة من أبناء دفعته.. وصديق البادي باحث مجيد في التاريخ السوداني.. دؤوب وصبور على متابعة أهدافه ومثابر عليها.. مما أتاح له إصدار أكثر من عشرة كتب دفع بها إلى المكتبة السودانية وأثرى بها المعارف..
وصديق البادي كاتب مستقل في توجهاته الفكرية والعقائدية لكنه أقرب للمزاج الصوفي الذي يشكل ثقافة الشخصية الوسطية في السودان..
في كتابه الأخير الذي استقبله القارئ بلهفة لمعرفة مسيرة رجل حكم السودان لمدة 30 عاماً ويقبع الآن في السجن منتظراً مصيره وتلاحقه تهم بعدد الحصى، ولم يعد في دفتر الرجل من حسنات يمكن ذكرها في الوقت الراهن، لكن التاريخ الذي أنصف جعفر نميري ومبارك وبن علي حتماً سيصدر حكمه على البشير حينما تسكن العاصفة الحالية.. ويقول التاريخ كلمته.. وكتاب صديق البادي محاولة جريئة جداً لكشف ما سكت عنه أعداء الرجل قبل أصدقائه، وإذا كان الباحث محمد الشيخ حسين قد جعل من كتابه عن جعفر نميري (لوحة لرئيس سوداني) بمثابة رد جميل.. وسداد دين في أعناق الآلاف من الرجال، فإن كتاب صديق البادي يمثل تجربة عميقة جداً في القراءة لأشياء غير مرئية لكثير من الناس.. من (كوبر إلى كوبر)، عنوان نفد الآن من الأسواق وهو إصدارة شعبية في غلاف وسطيـ جاء في وقت انقسم فيه السودانيون إلى شيع وطوائف وجماعات..
(3)
ـ السفير رحمة الله محمد عثمان، الوكيل السابق لوزارة الخارجية، والرجل الذي ظل يتنقل من محطة خارجية لأخرى مثلما تتنقل الفراشات الملونة بين أزهار الخريف، أول دبلوماسي يقول كلاماً مباشراً عن وزيرة الخارجية أسماء محمد عبد الله ويعدد ما يراه الرجل مزايا خاصة من تأهيل وقدرات وحسن تعبير واعتبرها الوزير المناسب في المكان المناسب.. وبذلك أصبح رحمة الله محمد عثمان أول المدافعين عن الوزيرة أسماء التي يعتبرها البعض أقل قامة من السودان ولا تمثل الخارجية مظهراً وجوهراً.. لكن السفير رحمة الله ينظر (لحماته) أي زوجة شقيقه بإعجاب وزهو.. ولكن بعين السخط التي تبدي المساويا نعت السفير رحمة الله نظام الإنقاذ السابق بنعوت عجيبة.. وإصدار أحكام على النظام بعد سقوطه وهو الذي ظل صامتاً طوال 30 سنة، ويتقلب في نعيم المواقع والمحطات ينافح عن علي كرتي.. وغندور ومصطفى عثمان وليت رحمة الله تذكر خطبته الشهيرة في نيويورك عن فساد المحكمة الجنائية وخطل مواقفها من السودان!! ولكن الرجل عينه على العودة مرة أخرى إلى حوش الخارجية وزيراً لخلافة (حاجة أسماء) أو حتى للبقاء في موقعه الراهن كسفير للاتحاد الأفريقي في الصي،ن بعد أن فشل في الحصول على منصب مرموق في الاتحاد الأفريقي مرشحاً من قبل البشير.. بينما نجحت الأميرة أميرة الفاضل في الامتحانات التحريرية والمعاينات.. ويأسى المرء كثيراً لحال أمثال هؤلاء السفراء..