تمديد الطوارئ.. هبوط اضطراري للثورة
تقرير: نجدة بشارة
يبدو أنّ مُوافقة “قِوى الحُرية التّغيير” على تمديد الطوارئ بالبلاد وضعها في موقفٍ “الهرة التي تهم بأكل بنيها”، نسبةً إلى أن حالة الطوارئ تتعارض مع مبادئ الثورة والثوار ويتسبّب في إجهاضها بمهدها، ولعلّ مُوافقتها على التمديد لم يكن بالمؤشر المطمئن في هذا التوقيت، بقدر ما زاد من رقعة الجدل الدائر بشأن قانونيتها، لأنّ قانون الطوارئ يُعطِّل الدستور وبالتالي سيُعطِّل الوثيقة الدستورية تلقائياً، هذا عدا عدم وجود جهاز تشريعي منتخب بالبلاد حالياً ليُصادق على القانون.
وقال الناطق باسم “الحرية والتغيير” وجدي صالح، إنّ مُوافقتهم على تمديد حالة الطوارئ جاء على خلفية ما تمر به البلاد من ظروفٍ استثنائيةٍ كانت ولا تزال، واستنكر تصريحات مَن ينتقدون التمديد، ونوّه إلى أنّ النظام السابق حكم البلاد بالطوارئ لـ(30) عاماً، وكشف صالح عن مساعٍ لجهات خارجية وداخلية – لم يُسمِّها – لإجهاض الثورة بمُؤامرات تُنفِّذها قيادات بالنظام البائد، وأشار إلى أنّ النظام السابق لا يزال يُسيطر على الولايات.
الهُبُوط الناعم
يرى الخبير الاستراتيجي بروف عثمان أحمد حسن خيري في حديثه لـ(الصيحة) بأنّ مُوافقة “قِوى الحُرية والتّغيير” على تمديد قانون الطوارئ يُعبِّر عن وعيها السياسي، ويمثل هُبُوطاً ناعماً لتجاوُز مآلات ربما بدت غير مُتوقّعة، نسبةً لحالة السيولة الأمنية التي تعيشها البلاد، وقال إنّ التمديد ربما اقتضته الظروف التي تمر بها البلاد من هشاشةٍ على خلفية تجدُّد الصراع بمنطقتي النيل الأزرق وكردفان، إضافةً للتهريب ومشاكل الحدود، إلا أنه أكّد أنّ هذا لا يعفي “قِوى التّغيير” من التزامها الأخلاقي بتنفيذ مبادئ الثورة، والطوارئ يتعارض معها، وبالتالي باتت “الحُرية والتّغيير” كل يوم تجهض أحلام الثورة بيدها حتى أضحت كـ”الهرة التي تأكل بنيها”، وأردف: وهذا مُعيب رغم أنه ليس بالإمكان أكثر مما كان .
فيما يتعلّق بالمطب القانوني واحتمال تعطيل الوثيقة الدستورية في حال تمديد الطوارئ، يرى بروف خيري أنّ الوثيقة الدستورية في الأساس ضعيفة ومُختزلة، وبها كثيرُ من الفجوات ولا تمثل الدستور أو تصدر من جهة شرعية مُنتخبة، وبالتالي لا بَواكٍ عليها إذا عُطِّلت بواسطة قانون الطوارئ وأهميتها لا تضاهي أهمية ضبط الأمن، أما فيما يَتَعَلّق بالسند التشريعي وضرورة مُوافقة المجلس التشريعي على التمديد، قال إنّ المجلس السيادي الآن يقوم مقام التشريعي بمُوجب الوثيقة الدستورية ومن حقه أن يمدد للطوارئ في حال رأي ضرورة لذلك، وقال خيري إنّ حالة الطوارئ المَقصودة بسيطة ومحدّدة تَتَعَلّق بمسائل الأمن والضمان الاجتماعي ولا يمنع الحُرية الشخصية أو حُرية الرأي والتعبير، كما لا يمنع ممارسة الاحتجاجات والمطالب المشروعة، وقد لا يمنع الحركات المُسلّحة من ممارسة أنشطتها.
في المُقابل، تلوح نُذُر مُواجهة سياسية على خلفية بيانٍ صدر من حزب المؤتمر الشعبي يرفض فيه قرار “قحت” بصُورةٍ قاطعةٍ، ويُطالب برفع حالة الطوارئ فوراً التزاماً بشعار الثورة الأول بتحقيق الحُرية، وتمكين الأجهزة الشرطية والأمنية من أداء مهامها وفق القانون ولا شيء سواه، التزاماً بالعدالة.. ووُصفت في البيان مُوافقة التغيير على تمديد الطوارئ بالمُناقض لثورة الشعب السوداني في “ديسمبر – أبريل”، وأنه يدعو من جديد للأوضاع الاستثنائية التي تُقيِّد الحريات والحقوق الأساسية الفردية والجماعية، وتضرب حُرية الصحافة وحُرية التظاهر والتّجمُّع في مقتلٍ بما تنص عليه من سلطات لأجهزة الأمن تتجاوز بها القانون، وإنّ تمديد حالة الطوارئ يعني أن تقدم الحكومة ومن خلفها “قِوى الحُرية والتّغيير” إيذاناً جديداً بمزيدٍ من سفك الدماء وتُحرِّض على ذلك بتبريراتها الشائنة بتوالي أزمات المعيشة وخلافها!
الخبير القانوني آدم أبكر في حديثه لـ(الصيحة) يرى بأنّ الوثيقة الدستورية جاءت بفكر وشعار الثورة “حرية.. سلام وعدالة”، وأردف: أين تطبيق العدالة في ظل الطوارئ الذي يتم فيه التّعامُل وفقاً لظروف استثنائية وممارسة مختلفة للعدالة؟ وقال أبكر إن قانون الطوارئ يُبيح مُمارسات سلبية ومقيدة لحرية المُواطن، لأن لا تطبيق له إلا في وجود مُهدِّدات أمنية وظروف قاهرة، وبالتالي أي تمديد للطوارئ سلبٌ للحقوق، وبالتالي يُمكن أن تُطبّق في حيِّزٍ ضيقٍ من حيث الزمان والمكان!
من جانبه، عَبّرَ المحلل السياسي د. الحاج محمد خير، عن استغرابه من موقف “قِوى الحُرية والتّغيير” بقبولهم لتمديد الطوارئ، وقال لـ(الصيحة) إنّ تمديد الطوارئ يكون في صالح المجلس السيادي ويُمدِّد من صلاحياته وهذا ما يجعلنا نستغرب من بسط التغيير بمزيد من الصلاحيات للمُكوِّن العسكري وهي التي قارعته الحجج لتقليل تمثيله في الفترة الانتقالية، يُمكن “للحرية والتغيير” أن تُطبِّق القانون في مناطق بؤر الصراعات فقط بمعزل عن المناطق الأخرى.