(واشنطوم) !!
ليس خافياً أن ما جرى في السودان يمثل تغييراً حاداً.. بكل القراءات، السودان فارق سكة الإنقاذ وخصامها العتي مع القِوى الكبرى.
فلماذا لا يأتينا خراج كل ذلك.. ولماذا يبدو بعيداً رضاهم.. فكل العداوة والبغضاء التي أثقلت كاهلنا واستنزفتنا، وأخرجتنا من المنافسة والانطلاق كانت مستندة إلى أن نظاماً بغيضاً لأمريكا كان يقبع في الخرطوم، ورغم أنه لا (يعضي) إلا أن (قعادو ما حلو).
توقّع الجميع أن تنتهي القطيعة مع الولايات المتحدة الأمريكية.. بعد توفر المناخ الجديد، وإزالة كل الألغام (بنجاح).. لم يعُد من حُجة أو مُبرر لاستمرار العقوبات بعد سقوط النظام، ولذا تفاءلنا مع حمدوك بأن عودته من نيويورك ستمثل انفتاحاً مجيداً بعد عزلة طويلة مُرهقة وشاقة، فيعود السودان حاسر البال من كل العقوبات مستشفاً روحاً جديدة للعلاقات.. (ولو حتى نبدأ من الصفر).
الفتور الذي أبدته أمريكا وتثاقُل الخطوات نحو السودان كان أمراً محيراً وغريباً لكل المُراقبين والمُهتمين.. لكن المُتهكّمين لصقوها في طاقم حمدوك:
(أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين)..
والمناصرون أعادوا تكرار الأسطوانة المشروخة:
(دا دمار بتاع 30 سنة لا يمكن إصلاحه ما بين يوم وليلة).
في أكتوبر2017 وبعد حوالي ربع قرن من الزمان على العقوبات الأمريكية صدر قرار رفع العقوبات، وعزت الولايات المتحدة هذا القرار إلى الجهود السودانية الملموسة في مجالات عدة منها مكافحة الإرهاب وتحسين حالة حقوق الإنسان ومعالجة المخاوف الأمريكية المتعلقة بانتهاكه.. لكنها في ذات الوقت أبقت على السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب!!
رفع العقوبات مثّل وقتها مفاجأة للجميع.. مفاجأة أزعجت وقتها مكونات الحكومة الحالية فطفقوا يزعقون ويندهون أولياءهم لتلافي تلك المصيبة، بتقدير سياسي خاطئ مفاده أن فك العزلة عن السودان يمنح النظام مزيداً من القوة والبأس وسيطيل أمده وستصعب منازلته.. استحضار العفاريت سهل قياساً إلى أمر إخراجهم!!
الثورة أقالت نظاماً ناصبته أمريكا العداء والكراهية، فلماذا (آخر الجزاء أذى).. وهل حقاً تتمنى كل مكونات (قحت) فك الحصار.. ثمة أيدٍ سودانية ترتاح لكوننا محاصرين .. إذ أن الحصار سيساهم في تمرير بعض الأجندات الضيقة.. هي تتغذى الآن من هذا التناقض واللامبدئية التي تمارسها أمريكا.
– قالت صحيفة “جورسليم بوست” الإسرائيلية، إن تطبيع العلاقات مع إسرائيل من شأنه تسهيل رفع السودان من قائمة الإرهاب.
– استبشرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، بتصريحات وزيرة الخارجية أسماء محمد عبد الله وقولها “التطبيع مع إسرائيل ليس الآن”. وهو ما اعتبرته الصحيفة مؤشراً لبناء علاقات في المستقبل.
-الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون وعد السودان بـمساعدات لحكومة حمدوك بشرط إزالة اسمه من القائمة الأمريكية.
– قالت “تشاتام هاوس”، إنّ السودان مُعَرّضٌ لخطر الفشل إذا لم يُرفع اسمه من القائمة.
– مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية تيبور ناجي قال:
(إن رفع اسم السودان من القائمة «عملية» قانونية غير معلومة الأجل).
– البدوي رفع العقوبات قد يأخذ من 9 أشهر إلى سنة.
– صحيفة الواشنطن بوست اعتبرت أن فتور حماس الإدارة الأمريكية مُخزٍ وغير مُبرّر.
– السفير كوتيسيس: «رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب يتوقف بدرجة كبيرة على إحلال السلام في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان».
من كل ما سبق فإن الفرصة صارت أبعد من أي وقت مضى لكسب صداقة أمريكا.. أو على الأقل(انت في حالك وانا في حالي).. ها نحن نرى التنازل عن حلمنا في (حلحلة) مشاكلنا بأنفسنا، لنعود من (نيويورك) إلى أرصفة السعودية ومصر توسلاَ للتوسط!!
كما أن منصة القيادة عندنا لم تطلق بعد رؤيتها الاستراتيجية بما فيها محددات الأمن القومي السوداني، ولا أظنها مُستعدة لفعل ذلك.. ذات عناصر المطبخ الذي كان يكيد للسودان بـ (ربطة المعلم) استحضرته الأرواح إلى الخرطوم لا ليحكموا وإنما ليعطوا عن يدٍ وهم صاغرون..
والتي تريده أمريكا من السودان لن تقوله ولكن ستفعله على استحالته ..
أعتقد أن الوقت مناسب أكثر من أي وقت مضى لقضم السودان.
* بس كتروا الدقيق.