ومما دعت إلى إبطاله اتفاقية (سيداو) : تشريع (تعدد الزوجات) وذلك من خلال المادة رقم (16) في الاتفاقية والتي نصّت على أمور منها: (1. تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص تضمن، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة:(أ) نفس الحق في عقد الزواج.(ب) نفس الحق في حرية اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل.(ج) نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه…..).أ.هـ
واتفاقية سيداو إذا أردنا تلخيصها للتعريف بها فإنها تعني : تعميم النموذج (الغربي) في قضايا المرأة على بقية العالم، وقضية (تعدد الزوجات) هي من الأمور التي تحظى بعناية من الكفار في محاولة للتشويش على التشريع الإسلامي والتنفير عن الإسلام بسبب ذلك، رغم أن كتاب النصارى الذي بين أيديهم ويقرأونه بيّن أن (تعدد الزوجات) هو من هدي وسبيل الأنبياء.
والاتفاقية عندما تريد أن تلغي هذا التشريع الرباني الذي يتضمن مقاصد شرعية عظيمة، فإنها تعيش وتنظر في غربها الذي خرجت من رحمه فترى المجتمعات الغربية بها تعدد (العشيقات) أو (الصديقات) !! في حياة بهيمية تختلط فيها الأنساب وتصبح الشهوة هي المحرك الوحيد للصلات اتصالاً أو انقطاعاً.
في كتاب الله العزيز نقرأ: ( وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا).
وإن من المقاصد الشرعية التي لأجلها شرع الإسلام تعدد الزوجات ما يلي :
1- التعدد سبب لتكثير الأمة ، ومعلوم أنه لا تحصل الكثرة إلا بالزواج . وما يحصل من كثرة النسل من جراء تعدد الزوجات أكثر مما يحصل بزوجة واحدة .
2- تبين من خلال الإحصائيات أن عدد النساء أكثر من عدد الرجال، فلو أن كل رجل تزوج امرأةً واحدة فهذا يعني أن من النساء – بل كثير منهن – من ستبقى بلا زوج، مما يعود بالضرر عليها وعلى المجتمع.
3- إن الرجال عرضة للحوادث التي قد تودي بحياتهم ، لأنهم يعملون في المهن الشاقة، وهم جنود المعارك ، فاحتمال الوفاة في صفوفهم أكثر منه في صفوف النساء، وهذا من أسباب ارتفاع معدل العنوسة في صفوف النساء، والحل الوحيد للقضاء على هذه المشكلة هو التعدد .
4- التعدد ليس في دين الإسلام فقط بل كان معروفاً عند الأمم السابقة، وكان بعض الأنبياء متزوجاً بأكثر من امرأة ، فهذا نبي الله سليمان كان له تسعون امرأة ، وقد أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجال بعضهم كان متزوجاً بثماني نساء، وبعضهم بخمس فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإبقاء أربع نساء وطلاق البقية .
5- قد تكون الزوجة عقيمة أو لا تفي بحاجة الزوج أو لا يمكن معاشرتها لمرضها، والزوج يتطلع إلى الذرية وهو تطلع مشروع ، ولا سبيل إلا بالزواج بأخرى، فمن العدل والإنصاف والخير للزوجة نفسها أن ترضى بالبقاء زوجة، وأن يسمح للرجل بالزواج بأخرى .
6- وقد تكون المرأة من أقارب الرجل ولا يوجد من يعولها، وهي غير متزوجة ، أو أرملة مات زوجها، ويرى هذا الرجل أن من أحسن الإحسان لها أن يضمها إلى بيته زوجة مع زوجته الأولى أو زوجاته، فيجمع لها بين الإعفاف والإنفاق عليها، وهذا خير لها من تركها وحيدة ويكتفي بالإنفاق عليها، وغير ذلك من المصالح الشرعية.
وقد يعترض بعض الغربيين أو غيرهم بقولهم : إذا كنتم تبيحون التعدد للرجل ، فلماذا لا تبيحون التعدد للمرأة، بمعنى أن المرأة لها الحق في أن تتزوج أكثر من رجل؟
فيقال : إن المرأة لا يفيدها أن تُعطى حق تعدد الأزواج ، بل يحطّ من قدرها وكرامتها، ويُضيع عليها نسب ولدها؛ لأنها موضع تكوين النسل، وتكوينه لا يجوز أن يكون من مياه عدد من الرجال وإلا ضاع نسب الولد، وضاعت مسؤولية تربيته، وتفككت الأسرة، وانحلت روابط الأبوة مع الأولاد، وليس هذا بجائز في الإسلام، كما أنه ليس في مصلحة المرأة، ولا الولد ولا المجتمع.
والإسلام عندما أباح التعدد فإنه اشترط له شروطاً، فإذا توفرت الشروط فإنه ستتحقق المقاصد التي راعتها الشريعة الإسلامية عندما أباحت تعدد الزوجات، وتنتفي المفاسد المتوقعة من ذلك. والشروط هي:
أولاً: العدل : لقوله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) ، أفادت هذه الآية الكريمة أن العدل شرط لإباحة التعدد، فإذا خاف الرجل من عدم العدل بين زوجاته إذا تزوج أكثر من واحدة، كان محظوراً عليه الزواج بأكثر من واحدة . والمقصود بالعدل المطلوب من الرجل لإباحة التعدد له، هو التسوية بين زوجاته في النفقة والكسوة والمبيت ونحو ذلك من الأمور المادية مما يكون في مقدوره واستطاعته . وأما العدل في المحبة فغير مكلف به، ولا مطالب به لأنه لا يستطيع العدل في ذلك، وهذا هو معنى قوله تعالى: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم).
ثانياً: القدرة على الإنفاق على الزوجات: والدليل على هذا الشرط قوله تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله). فقد أمر الله تعالى في هذه الآية الكريمة من يقدر على النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر أن يستعفف، ومن وجوه تعذر النكاح : من لا يجد ما ينكح به من مهر ، ولا قدرة له على الإنفاق على زوجته.
وهل من مقارنة بين تعدد الزوجات في الإسلام بهذه الشروط وبالحقوق والواجبات، وبكل ما يوجبه عقد الزواج ويثبته من حقوق للمرأة وبين تعدد (الصديقات) (العشيقات) الذي أصبح سمة بارزة للحياة في الغرب ؟! وهو قائم على سمع ونظر القانون وهو تعدد قائم دون أي نظر أخلاقي أو شعور إنساني، فمن ينظر بعين الإنصاف ليتبين له أنه من الظلم عقد مقارنة في ذلك فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. ومع هذا فإن هذه الاتفاقية يراد بها ومن خلالها جعل (تعدد العشيقات) هو بديل (تعدد الزوجات) !!!
ومن يتأمل المقاصد الشرعية في الحكم الشرعي في إباحة تعدد الزوجات يدرك عِظَم هذه الشريعة العظيمة التي حيث راعت تلك الجوانب وجاء حكمها متلائماً مع الفطرة وخلق الإنسان وواقع الحياة، وصدق الله تعالى القائل: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).