لم تخطئ المدير القطرية لأثيوبيا وإرتيريا والسودان بالبنك الدولي كارولين ترك، حين قطعت بأنه يصعب على المؤسسات الدولية تقديم أي مساعدات وعون للسودان في الوقت الراهن وربطت المسؤولة الرفيعة في البنك الدولي الخطوة بسداد الحكومة السودانية مديونياتها ومتأخراتها المتراكمة عليها للمؤسسات الدائنة.
المديرة تحدثت في منتدى “نحو نمو اقتصادي شامل” الذي نظمته منظمة “بيد أفريقيا” التابعة لمؤسسة “تشاتام هاوس” البريطانية ضمن سلسلة حوارات أصحاب المصلحة مطلع أكتوبر الجاري بالخرطوم، وقالت لابد من تسوية الديون وإعادة هيكلة الاقتصاد والشفافية والالتزام بوضع استراتيجية لمكافحة الفقر.
لم تخطئ المسؤولة في حديثها لأنها تدرك كيف تدعم المؤسسات الدولية الدول في البنى التحتية والأغراض الاستثمارية والخدمات الاستشارية، ومعلوم أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنوك التنمية الإقليمية لا تمول وتدعم إلا الحكومات المنتخبة، وفي ذلك لن تنفع كل التحركات الأوربية المحمومة بخصوص الشأن السوداني، وإنني هنا ألفت نظر قوى الحرية والتغيير إلى أهمية حديث مسؤول اللجنة السياسية بالمجلس العسكري سابقاً الفريق الركن عمر زين العابدين حين دعا قوى الحرية والتغيير والجميع إلى الاستعداد لإجراء انتخابات مبكرة، ليتهم سمعوا حديث الرجل وقتها واتفقوا على الخطوة لأنها كانت ستخرجهم من الحرج السياسي وما ويعانونه اليوم، وبذلك تضمن لهم الترتيبات المفروض القيام بها لفك العزلة الدولية علي السودان وتحقيق الاستقرار السياسي الداخلي بعدما جلب التجاذب السابق بين السودان والمنظومة الدولية الأوضاع إلى حالة انسداد سياسي واقتصادي خطير تجاوز الأزمات الروتينية الداخلية وانتقل إلى آفاق عالمية هي الأصعب اليوم جعلت كل السودانيين يستشعرون المخاطر التي تحيط بوطنهم وتهدد بقاءه مما استدعى قوة الغضب الشعبي والشبابي الثائر، وتوالت الأزمات بسرعة غير مسبوقة حتى بعد التغيير الذي شهدته البلاد وتشكيل هياكل الفترة الانتقالية.
إن النظام الحاكم في السودان اليوم بلا راعٍ رسمي منذ وصوله إلى سدة الحكم وحتى الآن، بل لقد بدأت بعض التسريبات تتكشف أن الإدارة الأمريكية قد طرحت السؤال المباشر للسلطة الحاكمة في السودان وهو: هل النظام الحاكم في السودان شيوعي? وعلى الرغم من أن النظام لم يجاوب ويكشف بوضوح عن هويته اليسارية، إلا أن الإدارة الأمريكية احتياطاً شرعت في ممارسة الضغوط عليه حتى لا تسهم في ميلاد دولة شيوعية جديدة.
إن أمريكا ليست بحاجة إلى ممارسة ضغوط وبحث لمعرفة هوية المكون العسكري، لكنها في أمس الحاجة إلى معرفة اتجاهات المكون المدني الفكرية الذي هو أشبه بلحم الرأس وما هي رؤيته التي يحكم بها السودان طوال فترته الانتقالية. رغم أن شواهد الوجه السياسي للنظام الحاكم قد استبانت، لكن واشنطن لا تزال تستوثق قبل تسخير إمكانياتها في رفع العقوبات وإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وصدقوني أمريكا لن تفسح المجال للحزب الشيوعي ليحكم السودان، وهذا جزء من الرأي السياسي المتداول في واشنطن القاضي بعدم السماح للمشروع الاشتراكي المتقاطع مع المشروع الأمريكي الاستراتيجي ليتحكم في السودان مرة أخرى.
وإذا سارت الأمور بهذا المنوال، فإن الكونغرس والبيت الأبيض وأصدقاءهم سيدعمون الإخوان المسلمين سرًا وعلناً وتمكينهم من العودة للحكم، وسيقف أقلية من المتطرفين الأمريكان مع المكون الشيوعي الذي يخطط لحكم السودان، لكن يظل الثابت أن أمريكا تتعامل مع مصالحها وفق استراتيجية لا تؤمن بوجود المشروع الشيوعي حياً في أي بلد بل تدعم خطة وصول الإسلام السياسي الليبرالي إلى سدة الحكم في مختلف الدول العربية والعالم، من أجل تنفيذ مصالح أمريكا مباشرة، وبلا لف ودوران، وقدمت في السابق كثيراً من التفاهمات التي جرت بينها وبين هذه التيارات، وكان فيها المطلوب واضحاً ودقيقاً، وبالطبع هناك جدل أمريكي حول هذا الأنموذج من التعاون، لكن الثابت أن أمريكا ستدعم بقوة في هذا الاتجاه خلال الفترة الانتقالية وترتيباتها، وستحاصر تكوين الأجسام اليسارية الطفيلية من جديد، وستطال الحملة محاربة أي تكوينات سياسية على أساس ديني، وهذا سيؤدي بل سيعجل بنظام الحرية والتغيير ويلحق به الطوفان المبكر وقيام حكومة منتخبة ستجد الدعم والسند الدوليين.