السوق المحلي.. إمبراطورية التلوث والفوضى!!
مُخلّفات الأمطار وانفجار الصرف الصحي عنوان السوق
تُجّار يشكون من فرض رسوم وضرائب دُون توفير الخدمات
تراجُع عمليتي البيع والشراء بسبب تردي البيئة!!
الخرطوم: رشا التوم – جمعة عبد الله
تصوير: محمد نور محكر
يُعد السوق المحلي الذي يقع على الناحية الجنوبية الغربية من الميناء البرِّي بالخرطوم، من أكبر أسواق العاصمة، وهو المُغذِّي الأساسي لعددٍ من الأسواق الكبيرة، بل يتعدّاها لتصدير العديد من السلع والبضائع المحلية لدول الجوار، حيث تتوافر فيه السلع والمواد التموينية كَافّة وتُباع بالجُملة، ولكن واقع السوق لا يتناسب مع حجمه، حيث تنتشر العديد من الظواهر السالبة والتردي البيئي كما يقول تجار استطلعتهم (الصيحة).. وتنامت شكاوى تجار السوق من كثرة الجبايات والرسوم الحكومية، التي قالوا إنها لا تُحصى ولا تُعد، دُون وجود خدمة تُوازي ما يدفعونه من أموالٍ للسلطات، وبحسب التجار بالسوق، فإنّ الرسوم الحكومية في تزايدٍ مُستمرٍ سنوياً مُقابل تناقُص الخدمات لحد الانعدام الكلي.
أين الطريق؟
عند التفكير جدياً في الدُّخول إلى السُّوق المحلي، عليك أن تسأل نفسك عن أيِّ الطرق قد تدخلك دون الحوجة للخوض في مياه الصرف الصحي التي سكنت كل الشوارع الرئيسية والجانبية، وعندما تجاوزنا الأمر، سألنا التاجر (ج. س) عن أهم المشكلات التي تواجه عملهم، فتطرّق لها بأنها تتمثل في انتشار السرقات الليلية للبضائع، قاطعاً بأنّ السلطات تُشكِّل غياباً كاملاً في جانب التأمين، مشيراً إلى أنّ التجار يتولون حراسة بضائعهم بأنفسهم بتكليف شخصين للحراسة ليلاً، ووصف السرقات بالمُشكلة الكبيرة التي لم تجد أصواتهم الداعية لمُعالجتها استجابةً من المحلية، كاشفاً عن زيارة تمّت للمحلية قبل فترة للسوق، تمّ خلالها الجلوس مع التجار وتنويرهم بالمُشكلات التي يُواجهونها في السوق مثل البيئة المُتردية وغياب الأمن وضعف الخدمات العامة، وقال إنّ هذه المطالب ذهبت أدراج الرياح ولم تتم الاستجابة لها حتى تاريخه، مِمّا جعل التُّجّار يُعانون الأمرين في النظافة والتأمين.
النفايات.. رسوم بلا خدمة!
وأدت الأمطار الأخيرة لتأزيم الموقف البيئي بالسوق، حيث باتت شوارعه وممراته لا تُطاق بسبب البرك الراكدة والروائح النفاذة التي طوّقت جميع الطرق والممرات، ومن العسير على المركبات العامة دخول السوق للتبضُّع عبر السير في تلك الشوارع الغارقة في الوحل، ولا تدخلها إلا مركبات البضائع لتفريغ حُمولتها أو نقل السلع، أما دخول المُواطنين فيقتصر على المواقع الأمامية من السوق، حيث يصعب التّوغُّل إلى داخله للأسباب المذكورة وهي شكاوى التجار، مُعتبرين أن النظافة تجد إهمالاً غير مقبولٍ مما أسهم في تقليل نسبة الزبائن وتراجُع القوة الشرائية.
ورغم اتفاق تجار السوق المُستَطلعين، على المشكلات التي تُواجه العمل هناك، إلا أنّ قضية رسوم النفايات استأثرت باستنكار كل من قابلناه، وهي جزئية لها ما يسندها من الواقع، حيث بيئة السوق لا تسر عدواً ولا صديقاً، وهنا يقول التجار إنّ سداد رسوم النفايات “إجباري” لكل المحال التجارية وحال عدم السداد السجن في المُقابل! ولكن للمُفارقة “لا توجد خدمة نظافة” مِمّا جعلهم يتساءلون عن سبب تحصيل رسوم لتقديم خدمة مُعيّنة دون تقديم هذه الخدمة، وتبلغ رسوم النفايات (250) جنيهاً سنوياً، وأكّد عددٌ من التجار الجلوس مع المحلية في اجتماع مُوسّعٍ بغرض التفاوُض والوصول إلى حلول جذرية لمُشكلاتهم ولكن للأسف دُون جَدوى!
حركة في سوق التوابل
دخلنا لأحد محال التوابل ووجدنا صاحب المحل مُنشغلاً بهاتفه، وبعد إلقاء التّحية سألناه عن حركة السوق، فبادر سريعاً بالإشارة بكلتا يديه للممرات الخالية من الزبائن وهو يقول “أهو الوضع زي ما شايف”، ولخّصت هذه الإجابة حال السوق تماماً، وعن سبب تراجُع القوة الشرائية، قال إنّ بيئة السوق الطاردة هي أول سببٍ، حيث يصعب على المواطنين دخول ممرات مُحاطة بالوحل من كل جانبٍ وتنتشر فيها الروائح النفّاذة، مُتّهماً السلطات المحلية بالتركيز على تحصيل الرسوم والعوائد من التجار فقط دون الانتباه للمشاكل التي يُعاني منها السوق في البيئة والنظافة وغيرها، لافتاً إلى أنّ كل الممرات الجافّة تم ردمها عبر اشتراكات من التجار أنفسهم، وبجهدهم تم استجلاب الردميات وتنظيف بعض الشوارع حتى انسابت الحركة نسبياً، وأبدى أسفه لقيام التجار بنظافة السوق والممرات في وجود المحلية التي تتحصّل رسوم هذه الخدمات باستمرار دُون أن تُكلِّف نفسها عناء القيام بواجبها، وقطع بأنّ وضع السوق الحالي يحتاج إلى حلول عاجلة وتطوير البنية التحتية وخدمات النظافة والتأمين.
زيادة في الضرائب والرسوم
أحد التجار أكد لـ(الصيحة) أنّ الضرائب تشهد زيادة سنوياً، فمثال إذا كانت هذا العام (6) ملايين، في العام المقبل تتضاعف إلى (12) مليون جنيه وهكذا، بجانب الترخيص والرخصة التجارية ارتفعت من (4 إلى 8 ملايين)، ورسوم الخدمات الصحية (الكرت) كان بواقع (300) جنيه ارتفعت إلى (600) جنيه، وشكا من زيادة الرسوم سنوياً دون أيِّ خدمات في المُقابل، مشيراً إلى انعدام الطرق الرئيسية المرصوفة، وقال: إذا دعا الأمر كان الأولى للمحلية أن (تردم بالتراب العادي) آثار مياه الأمطار والصرف الصحي لتسهيل عملية دخول المواطنين إلى السوق، لافتاً إلى انعدم الإنارة، وعزا التردي الكبير في السوق إلى نظام الحكم البائد الذي نهب خيرات البلاد!
طَرحنا عليه سؤالاً حول لماذا لم تلجأوا إلى عرض شكاوى التجار للمحلية مُباشرةً، وأضاف قائلاً: (المحلية هي نفس النظام السابق) ولا جديد في تعاملاتهم أو الأشخاص الذين يُديرون أمرها، مؤكداً استمرار أقفال المحلات التجارية في حال عدم الوفاء بسداد المديونيات.
تاجر آخر سألناه حول لماذا تُكوِّنوا لجنة من التجار أنفسهم لتكون المسوؤل الأول عن توفير الحلول؟ فأجاب بأن الأمر صعب للغاية عقب حل كافة اللجان الشعبية السابقة، مشيراً إلى سحب مياه الأمطار والصرف الصحي من السوق عبر التناكر بواقع (1200) جنيه للتانكر!
انعدام الأمن!
التاجر (م .ح) حذر من مَغَبّة تنامي ظاهرة السرقات وكسر المحلات التجارية في السوق المحلي والتي تحدث بصورةٍ يوميةٍ ويتم التعدي على الدكاكين دُون وجودٍ للأمن أو الشرطة، مما يعرض التجار إلى خسائر فادحة في الأموال والبضائع، مُشيراً إلى انعدام تام لتأمين المحلات والدكاكين، وجزم بتراجع عمليتي البيع والشراء جراء الأمطار (والطين) بحسب تعبيره.
تاجر آخر قال إن مشاكل السوق الأساسية تتعلّق باختلاط مياه الأمطار بالصرف الصحي، والتي يتم سحبها بعربات التناكر المؤجرة من قبل التجار وتصل إلى (10) تناكر في اليوم الواحد، وقال إنّ الأحوال في السوق تذهب نحو تدهور مريع، وعاب غياب المسؤولين والأجهزة ذات الصلة عن مراقبة السوق، وتخوّف من تنامي ظاهرة الكسر التي تعرّض لها محله التجاري لمرتين وبلغت خسائره (40) ألف جنيه نقداً وبضائه بمبالغ كبيرة!
البصل ماذا حصل؟
العم (س. ع) سبعيني العمر، يعمل لأمدٍ طويلٍ في سوق البصل، التقيناه، حيث بادرنا بسؤاله عن الأسباب الحقيقية لارتفاع البصل في السوق إلى أسعار جنونية؟ فرد قائلاً: هل ذهبتم إلى الجيلي وقرِّي التي غرقت جرّاء السيول والأمطار وأصبح سكّانها في العراء، هذا هو سبب ارتفاع أسعار البصل، لأن المزارعين فقدوا المخزون في المنازل والمطامير جراء السيول والأمطار وتوقف الوارد من شندي وكسلا والجزيرة وغيرها من المدن إلى السوق المحلي، وكشف عن ارتفاع الجوال إلى (4.600) جنيه، عازياً الارتفاع لغمر مساحات واسعة من المزارع بمناطق الإنتاج الرئيسية بالسيول والأمطار الأخيرة، مُوضِّحاً أن المُنتجين خرجوا من الموسم الأخير بلا فائدة، وقال إنهم بعضهم تكبد خسائر فادحة بتلف محصول البصل، لافتاً إلى أنهم يتطلعون لحصاد ما تمّت زراعته مؤخراً من البصل لتغطية بعض الخسائر، وقال إن التوقعات تشير لعدم انخفاض أسعار البصل قبل شهر من الآن لحين حصاد البصل الجديد، بيد أنه قال إن معاناتهم من الرسوم المُتعدِّدة التي أسهمت في رفع تكاليف الإنتاج، بجانب رسوم أخرى يتم تحصيلها بعد وصول المحصول إلى السوق، وقال إنَّ السلطات تتحصل (80) جنيهاً عن كل شحنة من البصل تدخل السوق وهذه الرسوم لا يعرفون لها سنداً ولا إلى من تذهب؟!! مُستنكراً العمل في بيئة صحية متردية بفعل الأمطار والتلوث بالصرف الصحي مما أثر بصورة كبيرة على أصحاب الأمراض الصدرية دون أي مقابل في الخدمات الصحية.
وقال تاجر آخر إن المحلية تأخذ مبلغاً محدداً على كل عربة تدخل إلى السوق، وساهمت بعدد (2) قلاب تراب فقط لردم الشوارع والتي تم ردمها من التجار، وأقر بمشكلة تتعلق بأسلاك الكهرباء التي قُطعت بفعل الأمطار والرياح، ممّا تشكِّل خطراً على حياة المارة والتجار!
أحمد علي الحاج محمد التقيناه في شارع البصل، قال إن السوق يفتقر إلى المجاري والصرف الصحي يحيط بالسوق المحلي من كل النواحي ولا حياة لمن تُنادي، وقال إن الأمطار تؤثر على البضائع والمخازن، ودعا الشؤون الهندسية للعمل على سفلتة الطرق، ويتم تسليم الأموال من التجار إلى جهات غير معلومة ودُون إيصالات مالية من وزارة المالية!
مُمارسات غير أخلاقية
استمعنا خلال الجولة إلى شكوى عاجلة من التاجر (أ. م)، الذي شكا من ظواهر وممارسات غير أخلاقية تتم من قبل جنسيات مُختلفة من الأجانب لم يحدد هوياتهم في آخر شارع من السوق المحلي في اتّجاه السكة حديد من الناحية الجنوبية الغربية (دعارة، مخدرات، بنقو، خمور ونهب!) وهو الأمر الذي أشاع الخوف بين التجار والزبائن وخطورة عبور تلك المنطقة في المساء ممّا يُعرِّضهم إلى السرقة والنهب لممتلكاتهم الخاصة والموبايلات، وأشار إلى ظاهرة النشل عبر المواتر من أشخاص مجهولين تتم في وضح النهار دون مُحاسبة أو عقابٍ، ووصف الأمر بالفوضى العارمة..!