تقرير: عبدالله عبد الرحيم
الاجتماع الأخير الذي شهدته أروقة القاعة الفخمة بعاصمة جنوب السودان جوبا بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة تحت لواء الجبهة الثورية، تمخض عن جملة مرتكزات أساسية تم التوقيع عليها بعد أن أكدت جميع الأطراف انفضاض ذلك المؤتمر بإعلان حسن النوايا والاتفاق على إيقاف الحرب على أن تبدأ الأطراف المختلفة الدخول في حوار شامل بغرض التوصل لاتفاق شامل يقود إلى إرساء السلام في جميع أنحاء السودان، وفقاً لشرط الوثيقة الدستورية التي تم التوقيع عليها بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير. فيما نصت على أن تكون فترة الستة أشهر الأولى من عمر الحكومة الانتقالية للسلام.
وقد خرج اجتماع جوبا بأن تبدأ المفاوضات الرسمية للسلام في منتصف شهر أكتوبر الجاري بين الحركات المسلحة والحكومة الانتقالية..
ومع تقارب الوقت المزمع لانعقاد جولات التفاوض، تعود تفاصيل اللقاءات السابقة بين الحكومة والحركات المسلحة وسرعان ما تنفض دون التوصل لأية تفاهمات أو اتفاقيات، الشيء الذي يرى البعض بأنه أكبر معيق ومهدد حقيقي للمفاوضات القادمة، إذا ما سلكت ذات الاتجاه، بينما يرى البعض أن اللقاء القادم سوف يختلف كثيراً عن اللقاءات السابقة، لوجود اختلافات كثيرة على المشهد السياسي طالت كل القوى السياسية والحركات المسلحة التي تغيرت رؤيتها ونظرتها للراهن وللمستقبل السياسي للبلاد، لذلك يرى الكثيرون أن كروت وأجندة التفاوض الممقبلة ستختلف عن تلك الكروت والأجندة التي كانت سائدة في الفترة السابقة.
الرغبة الأكيدة
ويرى رئيس حركة تحرير السودان الموقعة على السلام مبارك دربين لـ(الصيحة)، بوجود اختلاف واضح، ترتسم ملامحه منذ الآن على المفاوضات القادمة، مقارنة بالجولات السابقة في المنابر المختلفة، فيما يتعلق بالرغبة الأكيدة للخروج من الجولة القادمة بالسلام والسلام الحقيقي وليس التكيتيكي، وهذه الرغبة وفقاً لرئيس تحرير السودان متجذرة بين الطرفين. مؤكداً أن هذا العنصر هو ما يميز هذه الجولة أو المنبر عن غيره من المنابر التي عقدت للسلام بالسودان.
وقال دربين إن الكثير من التغيير حدث الآن فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، كما أن السلام جزء من التغيير، وقال إن الراهن يختلف عن النظام السابق، وأن الأسباب التي أدت لحمل السلاح قد انتفت بنسبة تفوق الـ(50%) بذهاب النظام السابق، فيما تبقى عنصر حقوق المواطنة المتساوية، إضافة لمرعاة المناطق التي كانت تقع تحت الصراع إضافة لحقوق المتضررين من الحرب وجانب المخصصات المدنية التي يجب أن تكون لكل الشعب السوداني، إضافة للمتضررين من الصراع أو الحرب من النازحين واللاجئين، وخاصة اللاجئين في دول الجوار إضافة للتمييز الإيجابي للمناطق التي كانت تقع تحت دائرة الصراعات، وأكد أنه من الضروري النظر للمشاريع التنموية التي تختص بالمناطق التي ظلت تعاني من ويلات الحرب، بحيث يظهر للمواطن اهتمامها به، إضافة إلى إخلاء المستوطنين الجدد الذين سكنوا في مناطق ليست أماكنهم، ولابد من إخلائهم، وهذا كله بحسب دربين، يظهر أن رغبة السلام في الحكومة الماضية كانت عبارة عن تكتيك، ولكن الآن صار السلام برنامجاً برعاية من رئيس الوزراء والحركات المسلحة على مستوى القيادة .. مشيراً إلى أن الأجندة هي ذات الأجندة التي يحملها كل طرف، ولكن ما ـريد أن ألفت إليه هو أن عملية المحاصصة لابد أن تنتفي، لأن المرحلة ليست للمحاصصة، وإنما للبرنامج المشترك. وقال إن المفاوضات الراهنة قد تشهد مشاركة أهل المصلحة الحقيقيين لمخاطبة جذور المشكلة وأرجاع الأمور لنصابها بعودة النازحين واللاجئين لقراهم، وربما مشاركتهم خلال جولات التفاوض القادمة عبر وجودهم ودفعهم للأطراف المتفاوضة.
لقاء باريس
وكان السيد عبد الله حمدوك رئيس الوزراء، قد التقى بفرنسا برئيس جيش تحرير السودان عبد الواحد محمد نور، حيث اعتبر اللقاء مع عبد الواحد خطوة مهمة لخلق جو ومناخ للدفع بعملية السلام وتهيئة البيئة للسلام القادم، واشار إلى تطابق الرؤى والتفاصيل حول الأزمة في السودان، مؤكداً أن اللقاءات سوف تستمر وصولاً للسلام الشامل في وقت أشار فيه إلى أن اللقاء تطرق لقضايا الهامش وقضايا السلام وجذور الأزمة السودانية والهوية والمواطنة والتنمية غير المتوازنة. وأكد حمدوك أن الحوار مع الحركات المسلحة ليس صعباً باعتبار أن الطرفين ينطلقان من منصة واحدة. مشدداً على أن السلام إذا لم يعالج مشكلة النازحين واللاجئين لا يعتبر سلاماً.
وحدة المنصة
ويشير د. السر محمد علي، الأكاديمي والمحلل السياسي لـ(الصيحة)، بأن حديث حمدوك مع عبد الواحد النور لخص كل القضية واختصر الطريق أمام الحركات المسلحة التي تجهز نفسها هذه الأيام للدخول في جولة مفاوضات رسمية بشأن السلام في ، حيث إنه أكد أن الجميع ينطلقون من منصة واحدة حكومة وحركات معتبراً السلام أولوية قصوى، وأنه لابد من معالجة مشكلة وقضايا النازحين واللاجئين معالجة جذرية.
وأكد السر أن ما أكده حمدوك هو أس المشكلة التي كانت بمثابة الشرر المتطاير. وجزم السر بأن الطرفين لا يدخلان هذه الجولة بذات الكروت الماضية إبان التفاوض مع الحكومة السابقة، وذلك لأن المنصات كانت مختلفة بين الطرفين، ولكن ووفقاً لحديث حمدوك فإنه لا توجد فروقات في المفاهيم إطلاقاً بين الحكومة والحركات المسلحة.
مشيراً إلى أن أول ما نطقت به حكومة حمدوك هو تحقيق السلام قبل البدء في أية برامج أخرى، ورغم أن الأجواء تمضي في مصلحة حكومة حمدوك، إلا أن السر أشار لبعض النقاط التي قد تخلق أزمة حقيقية وهي التفاهم بشأن هيكلة القوات المسلحة، وما يختص بالترتيبات الأمنية، لكنه أكد أنه لا توجد هناك تكتيكات أو استراتيجيات تدخل بها الحكومة لجولة التفاوض المقبلة، وذلك لأن الهدف بين الطرفين أضحى موحداً وهو إرساء السلام، متوقعاً التوصل لاتفاق حول القضايا الوطنية منذ الجولة الأولى للمنبر الذي تستضيفه العاصمة جوبا.
عوامل جذب
ولكن تباعد المسافة بين الحركات المسلحة وبعض روافدها كحركة عبد الواحد النور رغم لقائه الأخير بحمدوك في فرنسا، خلال زيارة الأخير للعاصمة الفرنسية باريس، ولقائه بالرئيس الفرنسي، هو ما دفع بعض الذين أكدوا لي بأن الاتفاق بينه وبينهم مستحيل حتى يأتي السلام مكتملاً. فيما أكد البعض الآخر أن عبد الواحد النور، كثير الانفراد بالرأي ولا يعترف بالآخرين، وقد وقعت العديد من الخلافات مع الرفاق ما عجل بمفارقته للجبهة الثورية التي يلتئم داخلها كل الحاملين للسلاح مما قد يسبب مطباً أمام أية اتفاقيات يصل الطرفان إليها.
بيد أن لقاء حمدوك به في فرنسا يراه هؤلاء بأنه خطوة صحيحة في الوقت الذي يحتاج فيه الوطن لتحركات كثيفة للملمة أطراف قضيته ووضع الحلول الجذرية لأزمته المستفحلة. فيما يرى متابعون أن السلام الشامل بات واقعاً إذ لا يختلف اثنان حوله خاصة بعد ذهاب المعوق الرئيس حسب رؤيتهم.. ولكن ما بين هذه الرؤى المتفاعلة وتلك التي تنظر للأمر بشيء من الأمل يبقى أمر الجبهة الثورية لحزم أمرها الحد الفاصل في التوصل لسلام حقيقي من عدمه حيث أن التشرذم الذي أصاب الحركات المسلحة كان أكبر عائق أمام التوصل للسلام، ولكنه الآن وبعد أن توصلت الأطراف المكونة للجبهة الثورية من خلال تفاهمات القاهرة وتوحيد رؤاها أمر قد يراه الكثيرون بالعنصر الجيد لبناء سلام مستدام خالٍ من الأجندة والتكتيكات والاستراتيجيات المضادة.