“واشنطن بوست”: على الانتقالية تجنُّب الصراع بين العساكر والمدنيين
ترجمة: إنصاف العوض
طالبت صحيفة “واشنطن بوست الأمريكية”، الحكومة الانتقالية بتجنُّب الصراع وخلق علاقات عدائية بين النخب العسكرية والمدنية، واصفةً إيّاها بأخطاء الماضي، وقالت الصحيفة إنّ فشل الانتفاضات السابقة في السودان يعود إلى الصراع وسُوء العلاقة بين النُّخب العسكرية والمدنية والافتقار إلى التنمية الافتصادية ويجب على الحكومة الانتقالية تجنُّب أخطاء الماضي، وأضافت: بالرغم من أنّه من السابق لأوانه إعلان النصر في السودان لِقوى الديمقراطية، فإنّ المخاطر التي تُحيط بالثورة ستستمر في الارتفاع إذا لم يَحتضن النشطاء والحكومات على حَدٍّ سواء، الفرصة لتمكين ظهور جيلٍ جديدٍ من الأصوات المُعتدلة، وقطعت بأنه حان الوقت لإعادة الإنتعاش وحياة جديدة في جسد الاقتصاد المُحتضر، وإن على الولايات المتحدة والشركاء الدوليين الآخرين إزالة العقوبات الحالية المفروضة على السودان دُون تأجيلٍ (والتي يرتبط مُعظمها شخصياً بنظام البشير)، والعمل مع القيادة الجديدة للبلاد للمُساعدة في بناء وإصلاح مُؤسّساته المُتهالكة، وإعادة برامج التنمية المُساعدة، وخلق طريقٍ لإسقاط الدَّين الخارجي الساحق للبلاد، وأخيراً الاعتراف بأنّ السودان لم يعد دولة راعيةً للإرهاب.
عزلة وجيهة
وقالت الصحيفة في تقريرٍ بعنوان “على الولايات المُتّحدة رفع العُقُوبات عن السودان”: لقد حان الوقت أخيراً لبث حياةٍ جديدةٍ في اقتصاد البلاد المُحتضر، قالت على مدى عُقُودٍ كانت الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إلى السودان كطفلٍ مُدَلّلٍ للاعبين دوليين مغضوب عليهم ويمثلون عدواً مُشتركاً للديمقراطيين والجمهوريين، مِمّا دَفعهم للاتّفاق على مُعاقبتهم وعزلهم لسببٍ وجيهٍ، إذ لا ينبغي أن ننسى ملايين المدنيين الأبرياء الذين قُتلوا في ظِلّ نظام البشير الوحشي، والتجاهُل المُتعمِّد لحقوق الإنسان الأساسية، وإيواء أسامة بن لادن قبل هجمات 11 سبتمبر، وتجاهُل نداءات المُجتمع الدولي للعدالة والمُساءلة، وسنوات من التحالُفات مع دول إرهابية من إيران إلى كوريا الشمالية، قد أكسبت البلاد زخماً كبيراً من الإقصاء والاحتقار.
وَلَكن مع دُخُول جيلٍ جديدٍ من السودانيين الشباب الذين يمثلون 60% من سُكّان السودان البالغ عددهم 42 مليون نسمة تقل أعمارهم عن 24 سنة. فقد حان الوقت للتغيير خاصةً وأن هذا الجيل ليست لديه فكرة عن السودان عندما لم يكن دولة منبوذة وهي ذات هذه المجموعة التي قادت خلال الأشهر العشرة الماضية ثورة في البلاد وخرجت إلى الشوارع للمُطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والوظائف وفُرصة للسودان لينعتق من قُيُود العزلة الدولية.
ومن أجل مُواجهة لحظة الفُرصة التاريخية هذه، يجب على الولايات المتحدة أن تتعلّم كيف ترى الماضي، تحقيقاً لهذه الغاية. ولذات السبب قال رئيس الوزراء المُعيّن حديثاً عبد الله حمدوك، وهو اقتصادي وخبير تقنية في أول مقابلة له بمنصبه في أغسطس: “نُريد أن نقول للعالم إنّنا نتحرّك بعيداً عن العُقُوبات وقضايا العقوبة وكل ذلك من أجل عودة طبيعية للسودان إلى حظيرة الأمم االدولية”.
تفكك مُحتمل
من المُسلّم به، أنه لا يزال مُبكِّراً للنظام الجديد المُكوّن من مجلس الوزراء ويتألّف من مجموعة مُتنوِّعة من المسؤولين، من بينها أسماء عبد الله، أول وزيرة خارجية للسودان. ويضم المجلس السيادي للبلاد، الذي يتّخذ القرارات من قِبل الحكومة، رجاء نيكولا عيسى عبد المسيح، وهي مسيحية قبطية، وكان مُعظم هؤلاء الزعماء الجُدد من كبار الزعماء في الثمانينات، وتم تطهيرهم من الوظائف الحكومية في الأيام الأولى من تمرُّد البشير مُعالجة جميع المشاكل في البلاد، إذ أنّ ما يفتقرون إليه في الدوائر السياسية الداخلية، يعوّضون عنه بنوع الخبرة السِّياسيَّة التي اكتسبوها بالخارج حيث يحتاجها البلد بشدة. وذلك أنّ الفشل في إصلاح نظام الحكم والاقتصاد بالبلاد من شأنه أن يؤدي إلى تفكُّك البلاد ووضعها في طريق اللا عودة، خاصّةً وأنّ حكومة الرئيس السابق عمر البشير التي استمرت لثلاثة عُقُود شهدت هجرة ملايين السودانيين وثرواتهم إلى الخارج، مُشيراً إلى أنّ الفشل في تحقيق قدرٍ من النجاح في إصلاح نظام الحكم والاقتصاد من شأنه أن يَسحق آمال مئات الآلاف من الشباب، الذين سيغري الكثير منهم بالسعي وراء ثرواتهم في الخارج، الأمر الذي يضع البلد على طريق اللا عودة والوقوع في هوة التّفكُّك المُحتمل، وعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، والصراع الإقليمي وتزايد مُعاناة المُواطنين.
نهاية التمكين
وترى الصحيفة أنه رغم التحديات الداخلية والخارجية العديدة، تبدو الحكومة الانتقالية واعدةً بما في ذلك إضافة امرأة قبطية إلى المجلس الرئاسي.
ويَتَمتّع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بخبرةٍ مهنيةٍ عالميةٍ كبيرةٍ ويمثل العودة إلى نوع من البراغماتية المهنية التي يحتاجها السودان، كما أن تسنمه المنصب دلالة على انتهاء عهد التمكين على أساس الولاءات الحزبية والدينية التي اتّسم بها نظام الرئيس البشير، وأضافت بأنّ الاتّفاق ليس سوى الخطوة الأولى على طريقٍ مَحفُوفٍ بالمَخَاطر، وذلك أنّ البشير قَضَى سنوات طويلة وهو يربي الحلفاء الأقوياء داخلياً وإقليمياً. كما أنّ التحدي الذي يُواجه السودان اليوم هو كيفية التّحرُّك في الاتّجاه المُعاكس، والجمع بين البلاد حول هدف إعادة بناء الأمة وعلى الرغم من تصوير السودان كدولةٍ فاشلةٍ مُدانة بالصراع المدني الذي تُغذِّيه الأحزاب السياسية المُتزايدة والمُتنافرة والركود الاقتصادي العميق، إلا أنّ ذلك لم يمنع البلاد من إنتاج شريحةٍ ضخمةٍ من الموهوبين والعلماء والمُهندسين والمهنيين.
طاقة أمل
وأضافت بأنّ صُعُوبة التّغلُّب على الولاءات ذات الطبيعة الإقليمية أو الإثنية أو الدينية، ظَلّت أبرز وأهم هذه التحديات، ومثلت الالتزامات الجهوية والقبلية ثقلاً أرهق كاهل البلاد ردحاً من الزمن، إلا أنّ الشعور بالظلم الذي أجّج الاحتجاجات وجَمَعَ الناس لهزيمة البشير، بغض النظر عن الخلفية يُوفِّر طاقة أمل، إذ أنّ المُستقبل يَكمن في الشباب الذين شَكّلوا الجُزء الأكبر من المُحتجين لفترةٍ طويلةٍ جداً، كانت فيها البلاد تُدار من قِبل رجال كبار في السن، وطالبت الصحيفة الحرس القديم في إدارة الرئيس السابق البشير بالتنحي عن المشهد السودان من أجل إِتَاحَة الفُرصة للتّغيير الحقيقي، وقد يشعر الكثير من الحرس القديم بالسودان أنّهم يستحقون دوراً في التّغييرات الحالية، لكن السياسة السودانية كانت تُعاني منذ فترةٍ طويلةٍ من الخلافات البسيطة والاختلافات الشخصية.
وعليه، فإنّ العودة إلى الوراء من شأنها تقويض زَخم التّغيير، مِمّا يحتم عليهم التنحي والسّماح للبلاد بتحقيق ما تمّ حرمانه منها منذ وقتٍ طويلٍ على الأقل في الوقت الحالي.
تَفاؤلٌ حَذرٌ
وأبانت ان الوقت ليس في صالح الثورة، وقالت: عندما طُردت الانتفاضات الشعبية من قبل الأنظمة العسكرية التي لا تُحظى بشعبيةٍ – في أكتوبر 1964 وأبريل 1985 – لم يستمر الحكم المدني لأكثر من خمس سنواتٍ، قبل أن يتولى الجيش السُّلطة مرةً أخرى. يبقى هذا احتمالاً، وعلى الرغم من أنّ العالم مكانٌ أكثر شفافية اليوم. هُناك حجّة للتفاؤل الحَذر، كما أن تدفُّق التعبير الفني خلال الاحتجاجات، والجداريات التي ظهرت حول جدران الخرطوم والحفلات المُوسيقية التلقائية وجهت عقوداً من الإحباط إلى طاقة إبداعية. والأهم أنّ السُّودان دولة ذات ميزات فريدة تميزها عن مصر وليبيا وسوريا، إذ تُعتبر صحوة الشباب الإبداعية أصغر حجماً وأكثر ريفية في الطبيعة وأكثر تواضعاً. لكنه طالما يتم منحهم فرصة، فإن الشباب السوداني قَادِرٌ على اغتنامها وتحويل مسار مستقبل البلاد نحو الديمقراطية والتّطوُّر.