بعيداً عن كرة القدم..!
“أمي هي التي صنعتني لأنها كانت تحترمني وتثق بي”.. توماس إديسون..!
سلوك الأم الحارسة الأصيلة لحمى التقاليد في مُواجهة دستور الوصاية الذكورية، يتحوّل – بقُدرة قادر – إلى تعسفٍ في مُمارسة السلطة، عندما يصطدم عقلها – أو العقل الجمعي الذي يمثله – بمظاهر التجديد الفكري الذي تحمل لواءه الابنة، حينها يندلع الصراع وتتّسع الفجوة. تشتّت المرأة بين بقائها الطوعي داخل شرنقة ربة الأسرة “الأم النمطية”، وخُرُوجها إلى ما يتطلّبه تحقيق الذات فكرياً ومهنياً من جُهدٍ وانصرافٍ وتضحياتٍ هي “حجوة” محلية، و”لعبة بازل” عالمية، عبرت عنها الكاتبة المسرحية الإنجليزية كاريل تشرشل – قبل نصف القرن من الزمان – عندما أعلنت عن تمزقها بين رعاية أطفالها واستئجار مُربية ترعاهم بالإنابة عنها في أوقات تَفَرُّغها للكتابة..!
اختارت كاريل في النهاية أن تتولى رعاية أطفالها بنفسها، على أن تتفرّغ للكتابة بعد خلودهم للنوم، الأمر الذي تطلّب مزيداً من فواتير الجُهد الإضافي والصحة والأعصاب، إلى جانب الكثير من فواتير التمرُّد الباهظة التي لا تزال المرأة المُتمرِّدة على العيش في جلباب أمها تُجاهد لتسديدها كل يومٍ. في ذاكرتي من الأدب النسائي العالمي صيحات نسائية مسرحية أنيقة مماثلة، ظَهرت وقت ظهور صيحة كاريل وشَدّت من أزر المرأة.. المُثقّفة.. الزوجة.. الأم – صيحات – أطلقتها كاتبات مسرحيات أمثال شيلا ديلاني، وشارلوت كينلي، ومارشا نورمان..!
في مسرحية “طعم العسل”، تناولت شيلا ديلاني صراع الأجيال من خلال تنازُع فكري، سُلُوكي بين أم وابنتها على مفهوم الخطأ والصواب تضمّنه الأم أسئلة حائرة تقوم بتوجيهها إلى الجمهور الذي يجيب عليها بالصمت والتصفيق. وفي مسرحية “عندما يحب الأسد” اقترحت شيلا إعادة رتق نسيج العلاقات بين الرجال والنساء من خلال تمزيق الأدوار النمطية لكلٍّ منهم. نُصُوص أُخرى لمُجايلات شيلا كانت أيضاً مسرحاً للعلاقة بين الأم وابنتها، من منظورٍ مُغايرٍ يُظهر تفاصيل المرأة المنزلية ويكشف عن قناع الرضاء الزائف الذي يكسو وجه الأم والزوجة النمطية الخائفة من الخُرُوج على شرنقتها التقليدية الآمنة. في مسرحية “أمي قالت لا” لشارلوت كينلي ومسرحية “تصبحين على خير يا أمي” لمارشا نورمان، يظهر الرجال – كالنساء تماماً – ضحايا لمنظومة قهرٍ مُجتمعي يجثم على صدور الجنسين..!
نَحنُ نتحدّث دوماً عن قهر الرجل وننسى الأم – أو الجدة – حارسة التقاليد وحاملة السَّوط الذكوري، لذا فمُجتمعنا المحلي بحاجةٍ إلى نُصُوص نسائية مُماثلة، في الفن والدراما التلفزيونية والمسرح، نصوص مكتوبة – لا بترف التّعَاطُف الذكوري إن وُجد – بل بوجعٍ نسائي خالصٍ. لكي تَسُود المرأة المُثقفة في مُجتمعنا وتملك خيارها الفكري الحُر – المُوازي لخيار الرجل، المُستقل عَن وصايته – لا بُدّ أن تنجح أولاً في تفكيك عقدة تلك العلاقة “السادوماسوشيزم” بين المرأة الجدة، والمرأة الأم، وعزيزهن الرجل..!
منى أبو زيد