السيدة “كاري ترك” مديرة قسم “إثيوبيا – إريتريا – السودان – جنوب السودان” بالبنك الدولي، أكّدت صُعوبة تقديم أيِّ دعم للسودان من المُؤسّسات المالية الدولية في الوقت الحالي! وقالت إنّ صندوق النقد الدولي يَقترح على السودان دَعم الفقر وبرامج الإصلاح الاقتصادي مع الالتزام بسداد الدُّيون وعلى رأسها مُتأخِّرات الدائنين السِّياديين وهي في حدود “15 – 16” مليار دولار! وسبق أن أشرنا للتصريح المنسوب لأحد المسؤولين بالخارجية الأمريكية ومفاده أنّ رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب يحتاج إلى “3 – 4” سنوات !
أقطاب التيار العلماني واليساري وبعض “المُثقّفاتيّة والمُحلِّلاتيّة” وفي إطار سعيهم لشيطنة الإسلاميين ونِسبة كلّ سُوءٍ وشرٍّ لهم، تحدثوا وكتبوا كثيراً أنّ مُقاطعة ومُحاصرة المجتمع الدولي للسودان هو بسببٍ واحدٍ لا ثانيَ له وهو وُجُود التيار الإسلامي على رأس السلطة بالبلاد، وأنّه بمُجرّد تنحية البشير وذهاب “الفلول” والسماح بمُمارسة النساء لكرة القدم وحذف “البسملة” من الخطابات الرسمية ستنفتح أبواب الخير وتتدفّق المليارات “كاش داون” ويَعُم الخَير ويحدث الرفاه ويتحوّل السودان إلى “جنة” ودولة حديثة بلا أزمات .
كل مُواطن مُشرَّب بروح الوطنية ويُكابد في سبيل تدبير حياته وتأمين مَعاش أُسرته يحلم ويتمنّى أن يُيسِّر الله للبلاد مَخرَجاً من الأزمات الخانقة الحَارقة ويُهيِّئ لها مسارات ومنافذ للنهضة والتّطوُّر والاِنطلاق القوي نحو مرافئ الدول المتقدمة، لكن الحقيقة التي يجب أن نعيها جيداً أنّ العالم قَائمٌ على المصالح، والدول الاستكبارية والاستعمارية تبحث عن مصالحها وتَدُور حولها، وفي سبيل ذلك يُمكنها رَكل وطَحن أيِّ هُنُودٍ حُمُر أو أفارقة سُود وابتزاز و”حَلْب” أي عرب سُذَّج! لا مجال للعواطف و”الحِنّية” والبسمات والدموع .
عندما اِقتضت مَصالح الغربيين أن يستقبلوا عُتاة الإسلاميين ويستوعبوهم في مُجتمعاتهم لم يكن ذلك حُبّاً فيهم أو اقتناعاً بأفكارهم وأطروحاتهم، ولكن طمعاً فيما عندهم من علوم وخبرات وطاقات، فَضْلاً عن الحاجة إليهم لإكمال لوحة “الدولة المدنية” الجاذبة! والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وحتى بعض الصناديق الإقليمية ليست إلا آليات لخدمة المصالح والسِّياسات المبنية عليها، تُسقِط دُيون دُول بالمليارات وتمنحها مليارات وتُقرضها مثلها بمُجرّد رضاء الكبار عنها وإضاءتهم للإشارة الخضراء، سلِّم بلادك لهم تتمتع !
لو سألوا راعي الضأن في الخلاء لجزم أنّ أهل السودان أبعد الشعوب عن القتل والدماء والإرهاب، هناك حتى اليوم في السودان من يخاف من ذبح دجاجة، ناهيك عن ذبح إنسانٍ! واشنطن ودول أوروبا كَافّة تعلم يقيناً أنّه لا علاقة للسودان بالإرهاب والمُمارسات الإرهابية، لكنهم مع ذلك يُصِرِّون إصرارهم على وضع السودان بقائمة الدول الداعمة والراعية للإرهاب! ما وقع تفجير لسفارة أو مُدمِّرة إلا ورموا به السودان طالما أنّ ذلك يخدم مصالحهم ولتذهب العدالة إلى الجحيم! العدالة لهم وللمقيم معهم داخل دولهم أم بالخارج فلا !
ها قد سمعنا عن وعود وبُشريات من خلال الأنشطة والزيارات الأخيرة للسيد رئيس الوزراء ومعاونيه، هذا ليس وعد الغربيين الأول بالدعم وإعفاء الديون ورفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، ولو كانت قضيتهم، الإسلاميين والبشير لرفعوا ودعموا، لكن تصريحاتهم لا تدل على استمرار خُبث الثّعالب! لا نقطع “العشم” ولا ندعو لليأس ونَفض اليد، لكن علينا تَوظيف ميزاتنا وأوراقنا القوية بما يخدم مصالحنا ويجبر الآخرين على حُسن التّعامُل وبعض الإنصاف .