جاطت!! (2 – 2)
مشاهد الأمس للثوار الشباب وهم يحرقون الوثيقة الدستورية (المُتلاعب بها).. وبعد سويعات من نشرها في الجريدة الرسمية لم يكن أبداً فعلاً معزولاً أو مُنفصلاً عن الغَرابة التي انحشرنا فيها يوم أن صدقنا أنّ البقول راسو موجعو لا بد من ربط كراعو.
مُنذ زمنٍ نحن في متاهة البصيرة أم أحمد، ولا نكاد نلج في أزمة إلا وزدنا (طينها بله).
الحِيرة التي تَتملّكنا والحكومة ذات البوفيه المفتوح، لا بُدّ أن تنتقل فوضاها إلى تلودي وشوارع الثوار الحزينة إلى حد الإحباط وكناب الصف الخامس بورتسودان.
في معركة ناس الحكومة من أجل العيش بكرامة المهم (الأخلاق).. وتلك بضاعة (صفّرنا) لأجلها العداد.. وارتأينا أن نمنحهم الوقت والتأييد والمناصرة.. فإذا بهم بلا ضروررة يختلقون أزمة الوثيقة.. ولأنهم لم يروق لهم التأقلم مع الواقع الجديد المُرتق على فكرة التعايش مع أعداء الأمس القريب، وتغافلوا عن أنهم والمكوِّن العسكري في مركبٍ واحدة وأن البصارة مطلوبة.. تجاوزوا بلا وعي تلك المُسلّمات البديهية وانطلقوا في رقصة الهياج المجيدة تأليباً للمواكب ومُعاودة الدخول من النوافذ رغم أنّ الفيلم والأمر كله بيدهم (صرة وخيت)!!
عندما سأل أحدهم منصور خالد آخر أيام الإنقاذ ماذا كُنت ستفعل لو كُنت مكان البشير؟ رَدّ د. منصور “لن أدخل في مشكلة لا أعرف كيف أتعامل معها”.
لذلك يكثر المدربون من الصراخ في لاعبيهم: (أرفع رأسك).. وحَل أزمة الوثيقة كان فعلاً في رفع الرأس.. ومعرفة المناط وتنقيحه.. ولو أنهم امتلكوا قيادة من أيِّ نوع لتفادوا ابتداءً شر تلك (التلبيكة).. ولا شرقت الوثيقة مبرأة من كل تلك العيوب والعوار الذي اعتراها بما كسبت قِوى الحرية والتغيير ولجنتها الفنية الهاوية!! والتي أصبحت فيها الوثيقة الدستورية معهم زي (حَلّة العزابة) كلّما دخل عليها واحد (زادها مُوية).. ابتسام السنهوري – أكثرهم مُثابرةً – أقرّت بمُغادرتها البلاد وجات (على الحركرك) لتنصحهم بعدم التوقيع على الوثيقة!!
سؤال..
ما هو أسوأ من (تنزنق) في الوثيقة الدستورية؟!
جواب..
أن يحاول السيد نصر الدين عبد البارئ (مخارجتك)..
بهذا الإخراج الردئ أغلق أيِّ باب أمام تعديل الوثيقة أو توفيق الأوضاع بما يتماشى والتسخينة التي أنجزتها قحت في الشارع.. وتلك حلول بسيطة ومُتوافرة فقط تحتاج لبعض (الشطارة) و(اللحلحة)، والتي هي للأسف لم تتوفّر، استعانوا مرة واحدة بالأساتذة تاج السر الحبر وكمال الجزولي والحافظ ونبيل أديب ابتداءً حين قام بكتابة المسودة الأولى.. شاركت تلك القامات في إجراء بعض اللمسات على طريقة (عدي من وشك).. ولم يأن لهم أن (يتعصروا) على أمر الوثيقة وحتى نفاذها.. ولو فعلوا لما حَدَثَ مَا حَدَثَ، ولاستطاعوا على الأقل أن يلحقوها بعد التوقيع ويُعالجوا هذه المصيبة القادمة ليريحونا من كل هذا التعب.
لديّ أكثر مِن حَلٍّ لمعضلة الوثيقة، حُلول سهلة وبسيطة مدّني بها أساتذة أجلاء، حلول في المُتناول وكانت لتجنبنا كل هذا العناء.. ليس من بينها أبداً الحل الذي طرحه وزير العدل.
في فيلم مرجان أحمد مرجان يَقُوم مُساعد عادل إمام برشوة كل الملعب ليفوز مرجان بالمباراة.. رشى الحكم وحارس المرمى.. احتسب له الحكم ضربة جزاء.. الحارس (عمل العليه) وارتمى بعيداً عن اتّجاه الكرة.. ولكن لـ(كياشة) مرجان تصطدم الكرة في العارضة فيغضب مرجان من مساعده: (ينفع كده يا حسن؟!).
فيرد المساعد: (بعد دا إلا نرشي العارضة يا باشا!!).
لم نكن نتمنّى لهم الوقوع في هذه (الاحبولة) وبتلك الطريقة التي لا (حرفنة) فيها ولا (ذكاء)، وكنا سنتغاضى لو أن الحل لم يكن فجا ومستسهلا استغفالنا، فهنا يكون التغاضي مُغرياً لمزيد من التجاوُز.. ومثلما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لست بالخُبٍ ولا الخُبُ يخدعني).