قضية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، صارت محل تزيُّد سياسي لا أكثر ولا أقل، حديث دون وعي كافٍ في الداخل وخداع أمريكي على المكشوف، فواضح أن واشنطون لا تريد أن ترفع اسم بلادنا من قائمتها السوداء في الوقت الراهن، ولم تُبدِ أية خطوات عملية في سبيل ذلك وبدء التطبيع الكامل لعلاقتها معنا بعد، سواء تم شطب اسم بلادنا أم لا، ومن المحزن أن السيد رئيس الوزراء وبقية المسؤولين في حكومة الحرية والتغيير، يتبنّون نفس وجهة النظر الأمريكية التي ترى من حق واشنطون وضع اسم السودان في هذه القائمة، فمعروف أن الاتهامات الأمريكية للسودان في عهد النظام السابق كانت مُجرّد شُبهات وأباطيل لا تُقيم عليها الدوائر الرسمية الأمريكية دليلاً دامغاً، كلها كانت نتاج ضغوط من جماعات الضغط، وبناء على تقارير تم إعدادها لتوريط السودان ومحاربته في ذلك الوقت ولعزله عن المجتمع الدولي. والدليل على كذب ونفاق السلطة السياسية والنيابية والإعلام الأمريكي، أنه طيلة سنوات عهد الإنقاذ، كانت المخابرات المركزية الأمريكية تتعامل مع نظيرتها في السودان دون أية عوائق، واعترفت واشنطون أكثر من مرة أن أفضل دولة تعاونت وقدّمت عملاً بنّاء في الحرب على الإرهاب كان السودان. ولم تنقطع الصلة في هذا الجانب وكان الحوار يجري بين الخرطوم وواشنطون منذ 2014م لرفع العقوبات الاقتصادية وشطب اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، تم الجزء الأول ورُفعت العقوبات الاقتصادية، وبقيت مسألة الإرهاب في انتظار قرار من البيت الأبيض، فلماذا تتلكَّأ الحكومة الأمريكية الحالية الآن وبعد ذهاب النظام السابق الذي وُضِع اسم السودان في عهده بالقائمة..؟ السبب في التلكؤ هو عدم رغبة الإدارة الأمريكية الحالية رغم علمها التام بعدم وجود أي دور للسودان في السابق ولا الآن في دعم أي نشاط إرهابي، ولا من طبيعة السودانيين وأخلاقهم ولا في تاريخهم ومزاجهم هذا النوع من العمل المُتطرّف، كل ما يحدث هو محاولة للضغط على حكومة السيد حمدوك للخنوع والخضوع بالكامل للإرادة والمشيئة الأمريكانية، والإعلان رسمياً عن التطبيع مع العدو الصهيوني… يجب أن نفهم كيف تُصنع وتصدر قرارات الحكومة الأمريكية؟ وكيف تُراعى فيها المصالح العليا لدولة الكيان الصهيوني. وقد ذكرت بعض وسائل الإعلام والصحافة الأمريكية هذا الشرط، وكان موجوداً في كل جولات التفاوض من قبل على عهد النظام السابق… فهل يبيع السودان مواقفه القومية السابقة وينقلب على عقبيه ويقبل الشروط غير المُعلنة رسمياً؟ أم لدى واشنطون مفاجأة لم تكًن في الحسبان..؟
(أحداث جنوب تلودي)..
تمّ حرق مصانع تتبع لعدد من شركات التعدين العاملة في مناطق جنوب كردفان في المنطقة الشرقية، وهي مناطق غنية بالمعادن وخاصة الذهب، ويوجد فيها تعدين تقليدي يقوم به الأهالي، وبدأت الشركات التي حصلت على ترخيص في العمل منذ فترة ليست بالقصيرة وخاصة في مجال مُخلّفات التعدين الأهلي ولم يعترضها أحد، لكن في الشهور الأخيرة بدأت حملات احتجاجات متفرقة هنا وهناك لأسباب متعددة رغم حرص بعض الشركات على القيام بواجباتها تجاه المجتمع وتقديم مساهمات اجتماعية كبيرة مثل حفر الآبار وتشييد المرافق التعليمية والصحية والمساهمة في فتح الطرق وصيانتها ودعم الاستقرار بالمنطقة.
تحت الضغط ولتهدئة الرأي العام صدرت قرارات من حكومة الولاية أوقفت بها كل نشاط الشركات، لكن ظهرت في الآونة الأخيرة أصوات أعلى صوتاً تتبنى رأي من قاموا بالاحتجاجات، وتسلّل بعض السياسيين ومنهم من تبوّأ موقعاً رفيعاً في رأس الحكم في الدولة وواصلوا أدوارهم السابقة في محاربة عمل الشركات، وكانوا يفعلون ذلك بحجة معاداتهم لنظام الإنقاذ، لكنهم واصلوا التحريض وتعبئة الأهالي ضد الشركات وفلتت الأمور وحدث الذي تمَّ أول من أمس في المنطقة، وتكبّدت الشركات بل الاقتصاد الوطني للدولة هذه الخسائر الفادحة، لم يكن عائد إنتاج الشركات ولا حتى المعدنين التقليديين يذهب لغير الصالح العام، فإنتاج الذهب يدخل في دورة الاقتصاد الوطني، وهو جزء من الناتج القومي الإجمالي، فلِمصلحة من يتوقّف هذا النشاط وما هي الفوائد السياسية التي جُنِيَت من هذا التحريض..؟
(انحطاط السياسة الامريكية)
كان الصراع السياسي في فترات الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية يدور حول قضايا حقيقية تهُم المواطن الأمريكي مثل المشكلات الاقتصادية والضرائب والإجهاض أو الرعاية الصحية والخدمة العسكرية والتنافس الداخلي بين الحزبين الكبيرين والفضائح بينهما مثل فضيحة ووترغيت وغيرها، هذا بجانب القضايا الدولية الشائكة ومواقف الولايات المتحدة منها خاصة الحروب منذ الحربين العالميتين والحرب الكورية وحرب فيتنام والحروب التي دارت في الخليج والصراع العربي الإسرائيلي وغيرها من الهموم الدولية. وكانت السياسة الأمريكية تعتمد ظاهرياً على اللعب النظيف والجدل السياسي والحِجج والمناظرات وتلعب وسائل الإعلام والصحافة دوراً في صناعة الفضاء السياسي العام الذي يقوم على موضوعات سياسية ذات حيوية عالية تتصل بالعام.. لكن فترة الرئيس ترمب انحدر إلى الحضيض الصراع السياسي والتنافس الانتخابي الذي سيكون العام المقبل مع نهاية ولاية الرئيس الحالي، فالقضايا التي تتسيّد المشهد العام بين ترمب ومنافسه الديمقراطي المحتمل جو بايدن سقطت إلى القاع وتسفّلَت إلى أدنى الدرك الأسفل، فقضية عزل الرئيس تقوم ليس على أخطاء وتقديرات عامة، ولا في السياسة التي تنتهجها حكومته ورعونتها في التعاطي مع ملفات الصراع الدولي مثل موقفه الظالم والأخرق والجائر وتحيُّزه للعدو الصهيوني على حساب العرب والفلسطينيبن، ولا في الأزمة الكورية الشمالية أو مواجهة إيران، ولا الحرب التجارية مع الصين، كل الصراع ونقطة الخلاف الحالية هي قضايا شخصية وتتبُّع من رئيس أكبر دولة في العالم لتجارة وتحرّكات نجل خصمه السياسي في دول أخرى في أوكرانيا والصين، ووصل الأمر إلى طلب ساكن البيت الأبيض من رئيس دولة أخرى فتح تحقيقات حول نشأة نجل خصمه وغريمه السياسي!! وعمل ترمب على تسخير وتوظيف أدوات الدولة الأمريكية وموقعه الرسمي ومنصبه كرئيس في صراعه السياسي ..أي انحطاطٍ وصلت إليه السياسة الأمريكية، وأي خسارة خسرتها الولايات المتحدة عندما انتخبت ترمب رئيساً..
(مفاجآت)
تشهد الأيام المُقبلة تطوّرات ومفاجآت سيكون لها تأثير بالغ على الأوضاع السياسية، ستتبدّل مواقف وتتغيّر أخرى ويظهر شخوص ويختفي رموز وتتكشف حقائق تتغير بها حقائق ومسلمات.. السياسة لعبة قذرة، ليست فيها صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، والأيام حبالى يلدن كل جديد…!