المطار الجديد!
*أذكر جيِّداً سنوات ما قبل ثورة الإنقاذ الوطني ونحن نلعب في حي القوز بالخرطوم، لم نكن نَعرف قبيلة أبناء الجيران، وبعضهم عرفنا قبائلهم قبل سنواتٍ قليلةٍ أي في حُكم الإِنقاذ.
*من أكثر المساوئ التي جاءت بها الإنقاذ هي التمييز القبلي وتصنيف أبناء السودان بجهويةٍ، هذا من الشرق وذاك من الغرب.
*ربما من القبائل القليلة جداً والتي لا يتعامل أهلها بجهوية وعُنصرية هي قبيلة الجموعية، التي يمتلك أهلها نصف الخرطوم بريفها الجنوبي والشمالي وغيرهما من المناطق.
*عاش أهل الجموعية بتسامُحٍ وصفاءٍ مع جميع قبائل السودان، وسكن الكثيرون في مناطقهم دُون أن يجدوا مُضايقة أو تمييزاً عُنصرياً.
*وحينما فكّرت الدولة في إنشاء مطارٍ بديلٍ لمطار الخرطوم الذي يتوسّط العاصمة، لم يجدوا سِوَى أراضي الجموعية بالريف الجنوبي لإنشاء هذا المطار.
*قدم الكثيرون من أهلنا الجموعية تنازلاً لحكومة السودان لإنشاء هذا المطار على أمل أن يجد أبناؤهم تعويضات أراضٍ في خرطوم كل السودان.
*بدأ العمل في مطار الخرطوم الجديد، وبدأ التفاؤل والأمل يكبران مع كل أهل السودان لإحداث نقلة كبيرة في ميناء العاصمة القومية الجوي، وكانت الآليات تَجُوب طريق الجموعية ذهاباً وإياباً وهي مُحَمّلة بالمَواد وسط تفاؤل الكثيرين.
*كان أهل الجموعية يحلمون بأن يحدث هذا المطار نقلة نوعية للسودان بصفة عامة، ولأراضيهم بالريف الجنوبي بصفةٍ خاصةٍ، وتحمّلوا الكثير من أجل قيام هذا المشروع القومي الذي يخدم كل أهل السودان وليس الجموعية وحدهم.
*وأخيراً وبعد صَبر سنوات عديدة، كَانَ القرار الصادم بإيقاف العمل في مطار الخرطوم الجديد والسعي لإنشاء صالة فخمة في المطار القديم لتكون بديلاً لما كان سَيُنفّذ في المطار الجديد.
*وإن كانت الدولة تُفكِّر جِدياً في إلغاء إنشاء مطار جديد للخرطوم، فالأولى أن تَعُود أراضي هذا المطار لأصحابها من أهلنا الجموعية ليستفيدوا منها في الزراعة كما يفعلون في مشروع الجموعية الزراعي.
*إيقاف العمل في هذا المطار الجديد نزل كالصاعقة على الكثيرين، خَاصّةً شرائح المُغتربين الذين اشتروا أراضٍ في تلك المناطق، على أمل أن تزدهر مع المطار الجديد ولكن الآن حُلمهم تبخّر في الهواء.
*الكثير من الشركات والأفراد سَيتضرّرون كثيراً من إيقاف العمل في المطار الجديد، ولكن مُؤكّد أن المُتضرِّر الأول هم أصحاب تلك الأراضي من أهلنا الجموعية.
*حسناً، الآن بدأت الدولة في خُطة تنموية جديدة بعد ثورة ديسمبر، وعلى الحكومة الانتقالية أن تُقرِّر إمّا إكمال العمل في هذا المطار خَاصّةً مع عودة علاقات السودان مع المُجتمع الدولي بصورة أفضل من السابق، أو في حالة إلغاء تشييد المطار عودة الأرض لأصحابها للاستفادة منها في شؤونهم الخاصّة.
*أهلنا في الريف الجنوبي هم الأكثر تَضرُّراً من الحكومات السابقة كَافّة رغم تضحياتهم بأموالهم وأبنائهم في سبيل الوطن، بيد أنّهم لم يجدوا التنمية المَطلوبة في مناطقهم وهم الأقرب للقصر الجمهوري مَقر الحكم في السودان، والآن يتضرّرون من إيقاف العمل في المطار الجديد، وإيقاف الخُطة السكنية التي بدأت ثُمّ تَوقّفت دُون إبداء أسباب منطقية.
*نرجو أن ترد الحكومة الانتقالية الحقوق لأصحابها إن كان في الخُطة السكنية التي توقّفت واستمرار العمل في المطار، أو ردّ أراضيه لأهلنا الجموعية إن لم تكن هناك نِيّة لهذا المطار (الحُلُم).