إعداد: هالة نصر الله
يشعر الموظفون أحيانًا بأن وظائفهم ليست على القدر الممتع والجالب للسعادة التي كانوا يتوقعونها، ولكنها في النهاية وظيفتهم، ويجب أن يقوموا بها على أكمل وجه حتى لو كانت تشعرهم بالملل، ومهما بلغت أشغال الإنسان ونشاطاته اليومية إلا أنه سيصل إلى مرحلة الملل، فالملل قد يأتي من طول مدة الفراغ، وقد يأتي من ضغط العمل، فالملل هو حالة نفسية تشبه الاكتئاب نتيجة تواتر الروتين اليومي، وانعدام كل جديد في الحياة، وفي كلا الحالتين فإن عواقبه وخيمة على جميع الأصعدة، ولذلك فلا بد من التغلب عليه خشية أن يتحول إلى دوامة يصعب الخروج منها، حول الملل من العمل تحدث لنا علماء النفس والاجتماع .
تدخل نفسي
وحول الملل من العمل حدثنا اختصاصي علم النفس د. عمرو إبراهيم مصطفى بقوله: أي شخص يمر عليه وقت يمل فيه من العمل، لكن إذا كان هذا الملل متواصلاً وليست له علاقة بالعمل إلى حد ما، لابد من العلاج النفسي، والملل الذي يرتبط بضغط العمل هذا يحتاج إلى التدخل النفسي ونتعامل فيه مع الشخص أو الموظف ونرشده إلى كيفية التعامل مع ضغوط العمل لأن هنالك بعض الوظائف الصعبة التي تجعل الموظف يعاني من ضغوط نفسية لها علاقة بالعمل وبالتالي فهو شخص يمل من العمل لأنه لا يستطيع التعامل مع هذه الضغوط خاصة العاملين في مجال عمل ضاغط ذهنياً، ويجب إنجاز المهام في نفس الوقت، ويتعامل مع الجمهور ويجب عليه كتابة تقارير، وهذا الشخص يحتاج إلى أن نرشده إلى كيفية التعامل مع هذه الضغوط النفسية المترتبة على العمل، وهنالك ظاهرة ملل آخر من العمل ظهرت مؤخراً بعد فض الاعتصام، فقد لاحظت أن كثيراً من الناس بدأت تمل من العمل، وهذا نعده عرضاً من أعراض الاكتئاب، وهي أن الشخص لا يستطيع أداء مهامه الوظيفية بصورة سلسة، فمثلاً هنالك من يقول لك (أنا قافلة معاي وزهجان وما عارف من شنو)، وهي واحدة من الأعراض التي تجعلنا نضع تحتها خطين لأننا لا نشخص عرضاً واحداً وإنما من عدة أعراض.
التخلص من الملل
ويوضح د. عمرو عن كيفية التخلص من الملل من العمل بقوله: يجب أن نفرق أولاً هل الملل نتيجة لضغوط العمل أم نتيجة لاكتئاب، فإذا كان نتيجة لضغوط العمل نوضح للشخص كيف يقدر يتعامل مع ضغوط العمل ويتخلص منها، وإذا كان نتيجة للاكتئاب يجب المعالجة من الاكتئاب أولاً لأن الملل هو نتيجة للاكتئاب، ونقوم بمعالجته من الاكتئاب ثم نوضح له كيفية التعامل في العمل، أما إذا كان الملل له علاقة بالروتين أو المدير وأن عمله لا يرقى لطموحه، فهذه الأسباب يمكن أن ندرجها تحت ضغوط العمل بحيث أن الشخص وهو يعمل يستطيع أن يتمتع على الأقل بالمستوى الأدنى للصحة النفسية ويستطيع أن يتطور للأفضل.
إرشادات
ويشير د. عمرو إلى أن البرامج الترفيهية مهمة جداً بالنسبة للعاملين، وفي الدول المتقدمة يعتبرونها أهم من ميزات الحوافز المادية، فعندما يكون المرتب يغطي حاجة الموظف فمن المفضل ألا تكون الحوافز مادية، وإنما تكون حوافز معنوية، وهنالك دراسات نفسية تشير إلى أنه إذا كان المرتب ساتراً الموظف، وكان هنالك حافز يفضل أن تكون رحلة أو عمرة ينسى من خلالها العمل وضغوطه، ويرى وجوهاً جديدة، وهذه تغير من نفسية العامل أكثر من إعطائه النقود، لأنه إذا أخذ الحافز في شكل نقود لن تتغير حالته.
انعكاس سلبي
ويوضح الخبير الاجتماعي محمد أحمد عبد الحميد جاويش أن كثيراً من علماء النفس التربوي والاختصاصيين الاجتماعيين يرون أن أكبر إشكالية تواجه تلاميذ مرحلة الأساس والثانوي هو اكتظاظ المناهج المدرسية وغياب النشاط اللا سبطي ويراد به النشاط المسرحي والرياضي وحصة المكتبة والتدبير المنزلي للبنات وحصة القصة المشوقة، وكثير من الأنشطة التي تخرج الملل والرتابة للوصول بالتلاميذ الصغار في السن وهو يعد بذلك الرئة الثانية للتعليم بالتنفس، ولهذا ينشأ التلميذ وهو يحس بالملل والرتابة منذ الصغر، وينعكس سلباً على أدائه التعليمي ونسب التحصيل وفي مستقبله الوظيفي والمهني، تصحبه هذه العلل النفسية ولهذا نلحظ في كثير من موظفي الخدمة المدنية الكآبة والعبوس وسرعة الانفعال والغضب في وجوههم متأصلة، ونلحظ ذلك بوضوح في المجتمعات الحضرية التي تعاني من اكتظاظ ساعات العمل وكثرة المتقدمين للخدمة عند موظف يعاني من كثرة العملاء وضيق الزمان وقلة الكفاءات بجانبه (أي المساعدين له في العمل).
والعلاج لمثل هذه الإشكالية النفسية المتأصلة، لابد أن تقع على مسامع هؤلاء الذين يعانون من الكآبة والملل وضغط العمل العالي لابد أن تقع مسامعهم على كلمات تلطيفية وألفاظ جميلة وتقع أعينهم على مناظر خلابة ساحرة مثل الحدائق الغناء والتجوال في شوارع أكثر نظافة وأناقة وألوان زاهية مخضرة تريح الأعصاب.
أهمية الإجازة
ويوضح جاويش: لابد من الإشارة إلى أن كثيراً من الأطباء النفسانيين أشاروا إلى أهمية الإجازة الأسبوعية حتى يكسر الملل والرتابة، ولهذا نوصي أصحاب المهن التي تتعامل مع الجمهور أو الطلاب بأن تكون الإجازة كاملة الدسم بمعنى إغلاق الموبايل تماماً يوم الراحة والإكثار من زيارة الأصدقاء وتفقد الأهل دون سماع شكاوى في أيام الإجازة، واقترح كثير من علماء النفس في الدول التي تعاني من اكتظاظ سكاني مع قلة موارد الخدمات أن تكون الإجازة يومين في الأسبوع تفصل بين كل إجازة 72 ساعة، واقترحوا كذلك أن تقضى الإجازة السنوية في الدول السياحية أو الدول ذات الطبيعة الخلابة والمخضرة طوال العام، لأن اللون الأخضر له عدة أسرار نفسية أدناها أنه يكسر الملل والرتابة.