في ذم الدنيا
* قال بن عمر – رضي الله عنه – قال: لا يصيب عبد شيئاً من الدنيا، إلا نقصت درجاته عند الله عز وجل؛ وإن كان عليه كريماً. وقيل له: توفي زيد بن حارثة الأنصاري، قال: رحمه الله، قيل له: يا أبا عبد الرحمن، ترك مائة ألف، قال: لكن هي لم تتركه. وعنه: أنه سمع رجلاً يقول: أين الزاهدون في الدنيا، الراغبون في الآخرة؟ فأراه قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر وعمر؛ وقال: عن هؤلاء تسأل؟
*خطب عمر بن عبد العزيز فقال: إن الدنيا ليست بدار قرار، كم دار كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها منها الظعن؛ فكم عامر موثق، عما قليل مخرب؟ وكم مقيم مغتبط، عما قليل يظعن؟ فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة، بأحسن ما يحضركم من النقلة، وتزودوا، فإن خير الزاد التقوى؛ إنما الدنيا كفئ ظلال قلص فذهب، بينا ابن آدم في الدنيا ينافس فيها، وبها قرير العين، إذ دعاه الله بقدره، ورماه بيوم حتفه، فسلبه آثاره ودنياه، وصير لقوم آخرين مصانعه ومغناه؛ إن الدنيا لا تسر بقدر ما تضر، إنها تسر قليلاً، وتجر حزناً طويلاً.
*كان عامر بن عبد الله، يقول: في الدنيا: الغموم والأحزان، وفي الآخرة: النار والحساب؛ فأين الراحة والفرح؟ إلهي، خلقتني، ولم تؤامرني في خلقي، وأسكنتني بلايا الدنيا، ثم قلت لي: استمسك؛ فكيف استمسك إن لم تمسكني؟ إلهي، إنك لتعلم: أن لو كانت لي الدنيا بحذافيرها، ثم سألتنيها، لجعلتها لك؛ فهب لي نفسي.
* لما استخلف عمر بن عبد العزيز، كتب إليه الحسن البصري كتاباً، بدأ فيه بنفسه: أما بعد، فإن الدنيا دار مخيفة، إنما أهبط آدم من الجنة إليها عقوبة؛ واعلم، أن صرعتها ليست كالصرعة، من أكرمها يهن، ولها في كل حين قتيل؛ فكن فيها يا أمير المؤمنين كالمداوي جرحه، يصبر على شدة الدواء، خيفة طول البلاء؛ والسلام.
*عن سعيد بن المسيب قال: إن الدنيا نذلة، وهي إلى كل نذل أميل وأنذل منها: من أخذها بغير حقها، وطلبها بغير وجهها، ووضعها في غير سبيلها.
*عن عمر أبو حفص الجزري قال: كتب أبو الأبيض ـ وكان عابداً ـ إلى بعض إخوانه: أما بعد، فإنك لم تكلف من الدنيا إلا نفسا واحدة؛ فإن أنت أصلحتها، لم يضرك إفساد من فسد بصلاحها؛ وإن أنت أفسدتها، لم ينفعك صلاح من صلح بفسادها؛ واعلم، أنك لن تسلم من الدنيا، حتى لا تبالي من أكلها، من أحمر، أو أسود.
*قال عبد الرحمن بن عوف دخلت على أبي بكر رضي الله تعالى عنه في مرضه الذي توفي فيه، فسلمت عليه؛ فقال: رأيت الدنيا قد أقبلت ولما تقبل، وهي جائية، وستتخذون ستور الحرير، ونضائد الديباج، وتألمون ضجائع الصوف الأزرى، كأن أحدكم على حسك السعدان؛ ووالله، لئن يقدم أحدكم فيضرب عنقه في غير حد، خير له من أن يسبح في غمرة الدنيا.
*عن الحسن – البصري – قال: فضح الموت الدنيا، فلم يترك فيها لذي لب فرحاً.
*عن مجاهد قال: كنت أمشي مع ابن عمر، فمر على خربة؛ فقال: قل يا خربة: ما فعل أهلك؟ فقلت: يا خربة، ما فعل أهلك؟ فقال ابن عمر: ذهبوا، وبقيت أعمالهم.