هيكلة الجهاز السيادي.. تأجيل الصراع
تقرير: عبد الله عبد الرحيم
ربما أنّ توجُّس الثوار في توجُّهات حكومتهم التي ارتضوها بعد أن مهّدوا الطريق لمشروعيتها وانتظروها طويلاً، قادت “الململة” قُدُماً لتدُب في أوساطهم شيئاً فشيئاً، وصار الحديث والطعن علناً بعد أن كان همساً، الشئ الذي يراه بعض المراقبين بأنّه قد دَفَعَ الكثير من المُناصرين لها بالاِبتعاد شيئاً فشيئاً عن مَنَصّتها. ولَعلّ هذا الحال وواقعه هو ما قاد عضو المجلس السيادي الدكتور صديق تاور إلى الجهر بالقول “إن الوقت لم يحن بعد لعزل ذيول النظام المُباد!”. هذا الحديث لم يقنع الراغبين في إنجاز هدفهم بالكنس والمسح، كَمَا هرولت لذلك معالي وزيرة التعليم العالي انتصار الزين صغيرون، حينما أشارت لذلك أو فهم منها، إن فترة “الكنس والمسح للعناصر القديمة قد بدأت”؛ ليضع بذلك صديق تاور النقاط فوق الحروف بعدم التعجُّل والإســـــراع حيال هذه الخطوة.
آخرون يتساءلون عن جدوى الحديث في هذا الوقت تحديداً ولماذا لم يحن أوان إزالة عناصر النظام السّابق وهيكلة النظام السيادي، هل لأنّهم مُتجذِّرون في فَواصل الدّولة؟ أم أنّ مُحاولة إزالتهم فيها خُطُورة وتهور كبيريْن على الدولة التي هُــم بصدد إنشاء مُؤسّساتها ما يعني أنّ المرحلة للبناء وليست للكنس، وهل السِّيادي يُريد تأجيل الصراع بينه وبين قيادات النظام السابق ومتى تحدث هذه الإزالة؟
ثلاثة احتمالات
وحيال هذا الأمر، أرجع أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية بروفيسور حسن الساعوري، الحديث عن إزالة بقايا وعناصر النظام المُباد من الجهاز التنفيذي والسعي لهيكلة أجهزة الدولة وعن أنه لم يحن الوقت لذلك، لثلاثة احتمالات، أولهما إما أن يبعد عناصر النظام السابق أو ما يسمى بالدولة العميقة وفقاً لضعف الأداء، أو بالفساد، مُؤكِّداً أنّ هذه الأسباب والتفسيرات معقولة لأنّها لا يمكن أن تتم بين يومٍ وآخرٍ وهي مُحتاجة لوقتٍ لمعرفة الفاسدين وضعيفي الأداء من خلال عمل دؤوب بين دواوين الخدمة ومكاتب الإدارات بالوزارات المعنية والمُختلفة. فالمفسدون يحتاجون لتقديمهم لمحاكم الفساد وهي تحتاج لوقتٍ طويلٍ، مؤكداً أنّ حديث تاور عن الإزالة وتأخير ذلك صحيحٌ إذا كان بناءً لهذا السبب. أما إذا كان حديثه حول فصل كل من تعيّن بالخدمة في وقت الإنقاذ فقد يكون هذا يحتاج لوقتٍ حتى إعداد البديل ولأجل إعداد البديل يحتاج لوقتٍ طويل. وقال: أما الجانب الثالث قد يكون أنّهم يخشون ردة الفعل، فإذا فصلوا من في الخدمة لمجرد أنهم عملوا في عهد الإنقاذ، فإن ذلك سيثير الشارع وبالتالي يضع الحكومة الانتقالية في مُواجهة مع غضب الشارع، ولذلك فإنهم سوف يسعون للإزالة بالتدريج، أحدهم اليوم والآخر بعد ثلاثة اشهر، والآخر بعد ستة أشهر، وهكذا حتى لا يثيروا الشارع العام بخطوات الكنس التي تجريها الحكومة ضد عناصر حكومة الإسلاميين.
إزالة ببطء
ولكن عملية تصحيح الأوضاع هي الرؤية التي يرى بصحتها الأكاديمي والمحلل السياسي بروفيسور صلاح الدومة، الذي قال لـ(الصيحة)، إنّ القول بأن ما فهم من رغبة المجلس السيادي هو تأجيل الصراع بينه وبين رموز النظام القديم ليس صحيحاً، وذلك لأنّ الدولة بدأت تصحيح الأوضاع منذ بداية تكوين المجلس السيادي وشروع الدولة في بناء مُؤسّساتها. وجزم الدومة بأنّ إزالة ذيول النظام المُباد بدأت ولكنها بصورة بطيئة وليست كالتي يرنو إليها الثوار. وقال: يفهم من هذا بأنّ الإزالة الحقيقية لم تبدأ بعد. وقطع الدومة بأن عناصر الدولة القديمة كثيرون ومُتجذِّرون في فواصل الدولة، ولكن عملية بناء الدولة الحديثة لا يُمكنها أن تُؤجّل هذا العمل، مُرجعاً السبب إلى تأخير عملية تعيين رئيس القضاء الذي يجب أن يسبق عملية الإزالة، إضافة لتعيين النائب العام وتعيين مجلس القضاء الحقيقي والذين سمّاهم بالركن الحصين في عملية بناء دولة القانون والمُحاسبة، مُؤكِّداً أنّ كل الأعمال في غياب هذه الأركان الثلاثة سيصيب فعاليته بالمُماطلة وإقعاده عن جدواه لتمركز عناصر النظام القديم في جميع فواصل وأركان الدولة.
سطوة المُواجهة
وربما ما دفع به صديق تاور من أنّ النظام القديم كان يسعى لبناء الحواجز النفسية والثقافية للمُجتمع السوداني هو الفاصلة الحقيقية في عملية الإصلاح التي ابتدرتها الحكومة الجديدة بكامل مُؤسّساتها التي لم يبلغ بعضها تمام كماله كحال الحكومة التنفيذية، الشئ الذي يضعها في إطارٍ قد يُعمِّق جدار التحدي بينها وبين مَوروثات النَّظام السَّابق فيقودها بذلك إلى المُيُول للغة التهدئة هذه أو يجعلها تخطو بقُوة لإنهاء عَمليّات الكنس والإزالة كالتي بادرت بها وتباطأت عنها لعظم وخُطورة مآل التحديات.
يَبقى ما بين هذه الخطوة وتلك الخطوات هو أنّ الوطن الكبير لا يتحمّل المزيد من الجراحات الغائرة بحسب د. أبو بكر آدم المحلل السياسي والأكاديمي لـ(الصيحة)، ولكن نظرة الشمول والمُحاسبة بلغة المُواطنة قد يقرّب أكثر بين الغرماء مهما كانت درجة الخطايا والتنظيرات.. فهل يعمّق السِّيادي سطوة المُواجهة بينه وبين النظام السابق أم أنّ لغة (التكتيكات) ستكون أسلوبه الغالب مُقبل الأيام؟