* صحيح أن كل الأزمات التي يرزح تحت وطأتها المواطن الآن، هي أزمات موروثة، غير أن العشم بعد الثورة كان ولا زال أن يكون أمر (أخطائنا وخطاوينا) بمثابة (التوبة) العامة، الإقلاع مباشرة بوقف التدهور، ومن ثم العمل على عدم العودة إلى ممارسة أسباب التدهور.. و.. و…
* غير أن الذي حدث ويحدث الآن صادم جداً، إذ أن نزيف تدهور الخدمات ما زال مستمراً ومتواصلاً حتى في ظل حكومة الثورة، ولم يشعر المواطن بأن نقلة قد تمت بحيث أن الجميع كان يتطلع إلى أن الثورة لحظة فارقة في عمليات التدهور المستمرة، بوقف نزيف التراجع من ثم البدء مباشرة في عمليات التطبيب.
* على أن أزمة المواصلات أصبحت أسوأ مما كانت عليه الوضع قبل الثورة، وعن أزمات الخبز والوقود والغاز حدث ولا حرج، بحيث تطاولت الصفوف من جديد وتطاولت معها مشاعر التضجر والتساؤلات القلقة من جديد… أطويل طريقنا أم يطول!!.. واستدعاء بعض هتاف الكتيابي.. ليس هذا المنتظر !!
* على أن الأسوأ من ذلك يكمن في تراجع الحساسية بقضايا الجماهير وتقدم الحالة الثورية الهتافية، وحتى عمليات الوقفات الاحتجاجية والمواكب لم تكن باتجاه وزراة التجارة، حيث الناشط السياسي الوزير مدني عباس مدني، وحيث مكمن أزمة الخبز والدقيق، كما لم تكن الوقفات الاحتجاجية أمام وزارة النفط حيث أزمات المحروقات ….
* على أن الذي أسوأ من الأزمة هو أن تجد الحكومة والنخب في وادٍ آخر غير ذي زرع، في أودية القضايا المترفة جداً، على أنه الآن يرتب تجمع المهنيين إلى مواكب السدود، والجماهير في المقابل لا تستطيع أن تعبر الكباري والجسور لأماكن عملها، كما تجد صعوبة بالغة في العودة إلى منازلها، تغدو خماصًا وتعود أيضاً خماصاً والمواكب المترفة ليس لوزارة التجارة ولا إلى إدارة النقل والبترول!! إلى السدود.. و…. و….
* ولهذا وذاك يحذر العقلاء من اتساع الرقعة بين أجندة النخب وأحلام الجماهير في الحياة والعيش الكريم، اتساع الشقة بين هموم السياسيين وهموم الدهماء، هنا مكمن الثورات الارتدادية…
* وإنما أهلك الذين من قبلهم، النظام السابق، بفقدان الحساسية الجماهيرية، كانت قضايا المجتمع والجماهير في وادٍ، وموسم التسوق والسياحة تستغرق النخب والولاة والحكومات، إنه لعمري الطريق الصعب في عصر الجماهير التي ليس بينها وبين الثورة وصناعة التغيير إلا الميادين واستفخال الأزمات…
وليس هذا كل ما هناك