عجبًا أن ينادي بعض الناس في بلادنا بحرية الاعتقاد حتى لو كان بالارتداد عن دين الإسلام..
بينما في بعض دول الغرب تدفع المسلمة غرامة إذا غطت وجهها.. وقبل فترة أجازت محكمة في أوروبا للشركات أن تمنع موظفاتها من لبس الحجاب.. ولا أدري عن أي ديمقراطية أو حرية اعتقاد يتحدثون؟!
وإسهاماً في تأكيد أن قتل المرتد عن دين الإسلام هو من ثوابت الدين أقول:
إن القتل – بعد الاستتابة – هو الحكم الشرعي الواضح البيّن الذي استقر عليه التشريع في حكم المرتد رجلاً كان أم امرأة .. وإن بيان هذا الحكم وتوضيحه من الواجب الشرعي ومن فروض الكفايات.. ومصيبة عظيمة أن يُدّعى نفي حكم الردة في الإسلام.. بالجهل تارة وبالأهواء تارات..
فلك أن تنظر في من يتحدث ويقول: حد الردة ليس في القرآن الكريم !! اثبتوا حد الردة من القرآن الكريم !! إذاً بمنطق هذا الرويبضة فإنه لا يثبت حد شرب الخمر، وليخبرنا كيف يصلي؟! وكيف يزكي؟! وكيف يصوم؟! وكيف يحج؟!
فإن بيان هذه العبادات وغيرها جاء في السنة النبوية .
فإنه على منطق هؤلاء فإن نظام التشريع سيختل وستترك العبادات والطاعات بدعوى أنها لم ترد في القرآن الكريم !! وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أنه أوتي القرآن ومثله معه .. فالسنة في التحليل والتحريم والتشريع مثل القرآن الكريم .. وإن ما حرّم رسولُ الله مثل ما حرّم الله، فكلاهما وحي الله تعالى وشرعه.
وأما من يقول إن حد الردة ثبت بحديث واحد !!
فإنه قد كذب في ذلك فقد ثبت بأحاديث عديدة والحديث الواحد إذا صحّ عن النبي عليه الصلاة والسلام وجب العمل به، وليس شرطاً أن يثبت الحكم الشرعي بأكثر من حديث نبوي، وبعضهم يقول هو حديث آحاد، قلتُ: وخبر الآحاد إذا صحّ فإنه يجب العمل به.
وقد انتقل الحديث في حد الردة من النقاش العلمي إلى المتحدثين باسم الأحزاب والناطقين الرسميين لها!!
وبات للعلماني والشيوعي والليبرالي والملحد والطاعن في السنة النبوية ورواتها وغيرهم المجال رحباً ليتكلم في أحكام شرعية مستقرة ثابتة كثبوت جبل أحد في رحاب طيبة الطيبة ويدّعي أنها لا تثبت!!
فهذه من أدلة إثبات حد الردة في الإسلام..
عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» رواه البخاري وغيره، قال الحافظ ابن حجر: (وقتل أبو بكر في خلافته امرأة ارتدت والصحابة متوافرون فلم ينكر ذلك عليه أحد وقد أخرج ذلك كله بن المنذر وأخرج الدارقطني أثر أبي بكر من وجه حسن)، قلتُ: وهل يعي ذلك المنكرون؟!
وقد ثبت كذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما قوله : «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ»
قال القاضي عياض المالكي في شرحه لصحيح مسلم: (عام فى كل مفارق للإسلام بأي ردة كانت بينة).
وأما المذهب المالكي وهو المنتشر في بلادنا وما جاورها من بلاد، فقد روى الإمام مالك في موطئه في كتاب (القضاء) باب : القضاء فيمن ارتد عن الإسلام ، روى ـ رحمه الله ـ حديث: «مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ».
وقال الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ: «وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنَ الإِسْلاَمِ إِلَى غَيْرِهِ وَأَظْهَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِلَ». ومن كتاب الأقضية الثاني.
وفي كتاب (البيان والتحصيل) لابن رشد بيان حكم المرتد من دين الإسلام إلى دين النصرانية) : (سئل مالك عن المسلم يرتد عن الإسلام فيعرض عليه الإسلام فيسلم أترى عليه حداً فيما صنع من ارتداده عن الإسلام إلى الكفر؟ فقال : لا أرى عليه حداً إن رجع إلى الإسلام، إنما كان عليه القتل لو ثبت على النصرانية فأما إذا رجع إلى الإسلام فلا شيء عليه). وفي نفس الكتاب قال: (قال محمد بن رشد : هذا أمر متفق عليه في المذهب أن المرتد المظهر الكفر يستتاب).
ويقول حافظ المشرق الإمام ابن عبد البر المالكي: (ومن ارتد عن الإسلام استتيب ثلاثاً بعد أخذه فإن تاب وإلا قتل وقتله أن تضرب عنقه. والرجال والنساء في ذلك سواء ولو كانوا جماعة ارتدوا وامتنعوا قوتلوا وإن أخذوا قتلوا فإن أخذوا وقد قتلوا الأنفس وأخذوا الأموال طولبوا بذلك كله وإن أرادوا أن يقروا على أن يؤدوا الجزية لم يقبل ذلك منهم ولا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل ومن قتل منهم أو مات على ردته لم يرثه ورثته وكان ماله فيئاً لجماعة المسلمين).
وقال ابن بطال المالكي في شرحه على صحيح البخاري: (ولم يختلف الصحابة فى استتابة المرتد، فكأنهم فهموا من قوله صلى الله عليه وسلم : (من بدل دينه فاقتلوه)، أن المراد بذلك إذا لم يتب) وقال: (ولفظ (من) يصلح للذكر والأنثى فهو عموم يدخل فيه الرجال والنساء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخص امرأة من رجل).
وقد أقام أئمة الإسلام في عهود سالفة حد الردة على المرتدين وعلى سبيل المثال لا الحصر: فقد قتل الحلاج بإجماع علماء وفقهاء عصره ووقته لزندقته وادعائه الحلول في الله تعالى والعياذ بالله وما ترتب على ذلك من أعماله الشنيعة واعتقاداته القبيحة . وقُتل محمد بن سعيد المصلوب وشاكر الذي كان رأساً في الزندقة والجعد بن درهم الذي أنكر تكليم الله لموسى واتخاذه إبراهيم خليلاً .. وغيرهم ممن لا يعدون ولا يحصون إلا بكلفة .. وقد تقدّم في صدر المقال خبر إقامة أبي بكر الصديق حد الردة على امرأة ارتدت وما فعله معاذ وأبو موسى بالمرتد ولا يخفى ما قام به علي رضي الله عنهم جميعاً عندما حرّق من غلوا فيه وادعوا ألوهيته.
فليسكت من لا يعلم .. ومن كان لديه حجة شرعية فليوردها ، وإلا فليحسنوا السكوت والإنصات .. وليدعوا الأمر لأهله .. ولنتق الله جميعاً في دين الله تعالى ولا نقبل نفي الأحكام الشرعية الثابتة فإن ذلك لموبقة عظيمة يترتب عليها وعيد مخيف.. وبلاء عاجل ..
(فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) ..