حمدوك إلى الهضبة.. كيف نجعل المشاعر واقعاً..(1)
أعلن القائم بأعمال السفارة السودانية بأديس أبابا السفير أنس الطيب رسمياً أن رئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك سيزور إثيوبيا يوم 10 أكتوبر المقبل وأن الترتيبات تجري على قدم وساق في السفارة لإنجاح الزيارة وتحقيق أهدافها، وهي تعد الزيارة الثانية بعد تولي حمدوك للموقع وحمدوك يعتبر من القلائل الذين يدركون تفاصيل الحقيقة التي حققت بها أثيوبيا أحلامها وأخرجت بها اقتصادها من ضيق المشاعر والتمني إلى أفق الواقع المشهود، ومن ذلك متوقع أن يصل حجم التبادل التجاري بين الصين وأثيوبيا خلال العام 2020 فقط إلى (400) بليون دولار، وفي استراتيجية أديس أبابا 2030م ستكون أثيوبيا دولة صناعية كبرى، وهذا ما شاهدناه عملياً عند زيارتنا إلى منطقة أداما الصناعية الحرة بمنطقة دبرازيت ـ هذا النمو والتطور الأثيوبي لم يبن بالتمني ولا المشاعر وإنما برؤية إستراتيجية واضحة المعالم ومحددة الأهداف والمقاصد وضعها رئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي بحسب حديث رجل الأعمال السوداني وجدي ميرغني الذي ولج هو الآخر في منظومة الاستثمار بأثيوبيا في العام 1990 مع بداية التغيير الذي شهدته الدولة ـ إن رؤية ملس كانت تستند على الاهتمام بالقطاع الزراعي والتركيز على الأقاليم وليس العاصمة، وهذا التوجه يكون واضحاً لكل من يزور أقاليم أواسا ومكلي على سبيل المثال، سيجد هناك ملامح التنمية المتوازنة والعدالة في توزيع الموارد والتمويل لكل من طلب التمويل من قطاعات الشعب وبضمانات ميسرة، وهو ما حقق النجاح وضمن للكثيرين أسباب السعادة الدائمة والخلاص الأبدي من الفقر، وعلى الرغم من أن أثيوبيا ليس لديها بنك زراعي مختص لكن لديها البنك الأثيوبي التجاري، وهو البنك الذي يمول أي مزارع بسهولة ويسر، وهو الذي حل كل مشكلات التمويل للتعاونيات التي توسعت فيها أثيوبيا كآلية لضمان انسياب التمويلات والحصول على الإنتاج.
إن أثيوبيا حسمت أمراً مهماً، وهو كيفية الحكم عبر تحالف شعوبها وتغلبت على كثير من مشكلاتها الداخلية، وتوحدت خلف رؤيتها الاستراتيجية فمنصب الوزير بات غير محفز ولا جاذب، لأن مهام ومسئوليات الوزير أكبر وأوسع من مخصصاته ومكتسباته الشخصية، الأمر الآخر ويعتبر من أهم أسباب التطور الإثيوبي هو الضوابط وضرب مواقع ومظان الفساد والإجراءات المشددة لنظام الاستدانة والاقتراض للدولة الأثيوبية من الدول والصناديق الدولية، حيث لا يستدين الإثيوبيون إلا للتنمية أو لشيء يختص بمعالجة أوضاع الإنتاج واحتلاب أقصى ما يمكن احتلابه من موارد زراعية وطبيعية وصناعية تزخر بها بلادهم، وهذا يعني أن خطة أثيوبيا واضحة وموجهة نحو التنمية وليس غيرها وهو ما شعر به الشعب وصمموا برامجهم ومشروعاتهم عليه وتوحدوا خلفه وأصبح كل من يعمل على إعاقته فهو العدو المشترك بالنسبة للشعب وللحاكمين والمعارضين السياسيين.
إن السفير أنس الطيب وهو يخاطب الحفل الختامي لملتقى الاقتصاد السوداني الأثيوبي قال إنهم يخططون بأن تكون علاقات السودان وأثيوبيا متجذرة وراسخة لصالح شعبي البلدين ولا تتأثر بأي نظام سياسي، مشيراً أنهم يطمحون إلى تكامل إقليمي وليس تعاوناً ثنائياً، تكامل يتأسس على مشروعات اقتصادية وتجارية كبيرة ومدروسة وذات بعد إستراتيجي داعم للعلاقات السياسية من منصة العلاقات الاقتصادية. وامتدح أنس رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ومعرفته لما يريدونه للسودان وهو يعمل على تحقيق أحلام شعبه.
لفت نظري في حديث أنس قوله: نريد حركة استثمارية متبادلة وليست من طرف واحد في إشارة الى أن رؤوس الأموال السودانية وحدها هي التي تأتي من الخرطوم إلي أديس أبابا وتجد الفرص بينما الفرص مفتوحة في السودان، ولا يوجد رجال أعمال أثيوبيون يعملون في السودان، فهذا الوضع المختل يتطلب البحث لمعرفة ما هي الأسباب المعيقة، هل هي الإجراءات أم القوانين ونظام العمل أم ماذا? لابد من مراجعات موضوعية لمعرفة أسباب ضعف الميزان التجاري بين السودان وأثيوبيا الذي حتى الآن غير متفق عليه من كل الجهات المعنية كم يبلغ، إذ تقول البيانات غير الثابتة أن حجم التبادل التجاري بين الخرطوم وأديس أبابا يتراوح بين 100 إلى 200 مليون دولار وهو معدل متواضع جداً مقارنة بفرص العمل والميزات الاستثمارية والاقتصادية المتوفرة وبقليل من الجهد يمكن أن تحصل البلدان على قدرة كافية على جني المكاسب، وهذا يتطلب إرادة سياسية جادة تسهل وتؤثر من خلال اتخاذ القرارات وحراسة تنفيذها، وهذا يقيني يمكن أن يتوفر في عبد الله حمدوك لقربه من التجربة الإثيوبية ومراحل تطورها وكذلك من خلال موقعه السابق والمعني بالتخطيط لتنمية أفريقيا ومساعدة دولها في كيفية الاستفادة من مواردها الاقتصادية والبشرية والتخفيف من حالات التوترات السياسية والصراعات والعنف المسلح ..