على هامش اتهام مصر لشاب سوداني بالتحريض ضد النظام
ثقب على جدار العلاقة بين البلدين
في عهد الإنقاذ تبادل الاتهامات بالتآمر والتجسس واعتقالات بين الجانبين
مصر اعتقلت المعدنين السودانيين والسودان اعتقل تجار الأواني المصريين
عبد الرحمن المهدي اتهم مبعوث مصر بالتجسس ضد حزبه
هل حاول أمن الأحزاب في عهد الصادق المهدي مراقبة القنصلية المصرية عبر بائع بطيخ؟
أحمد طه صديق
لم تبرح العلاقة السودانية عبر التاريخ من الدوران حول مغنطيس الجذب والتنافر، فتارة تشهد تفاهماً في معظم الفترات مثلما حدث إبان العهد المايوي، وتارة أخرى تشهد فوراناً وارتفاعا لثيرموميتر العلاقة إلى درجة تقترب من الغليان .
حيث اتهم كل طرف بالتآمر ضد بلاده، بل وصل إلى حد أن اتهمت مصر نظام البشير بمحاولة اغتيال رئيسها حسني مبارك وهو ما أعقبته توترات ساخنة استغلتها مصر باحتلالها لمثلث حلايب .
الآن بعد التغيير الذي حدث بعد ثورة ديسمبر، لم تبدِ مصر حماساً كبيراً إزاء التغيير، رغم ذهاب خصمها اللدود نظام الإنقاذ، وهو ما اعتبره المراقبون يتعلق بطبيعة الوضع السياسي في مصر وخصوصيته التي تميل إلى المحافظة في ظل محيط غزته التغييرات الشعبية عبر ربيع ساخن.
مؤخراً أثار اعتقال مصر الشاب السوداني وليد عبد الرحمن سليمان البالغ من العمر 22 عاماً بتهمة التجسس والتآمر مع تنظيم الإخوان المسلمين ضد النظام، وتم عرضه عبر إحدى القنوات المصرية يدلي باعترفات وصفها رواد التواصل الاجتماعي في السودان بأنها جاءت بالإكراه، وقالوا إن الشاب لا علاقة له بالإخوان بل كان ناشطاً في الانتفاضة التي أطاحت بالنظام في السودان، بينما استنكر الاعتقال تجمع المهنيين السودانيين واعتبروا الطريقة التي عرض بها في مقطع الفيديو سلوكاً غير مهني ولا يمت للإخلاق بصلة.
وعبر هذه المساحة، نسوح مع بعض الحوادث المشابهة التي تعبر عن التوترات التي حدثت بين البلدين عبر حقب مختلفة والإسقاطات التي تولدت منها من اتهامات واعتقالات وإبعاد متبادل.
جاسوس الصاغ صلاح سالم
في فترة الحراك الوطني قبل خروج الاستعمار البريطاني من البلاد، كانت مصر تسعى بحماس كبير لتغليب خيار اتحاد السودان معها، حيث دعمت هذا الخطوة عبر تحركات سياسية شملت دعوات للنخب السياسية السودانية إلى مصر، بينما كانت تبدي قلقها من دعاوى الاستقلال التي تمثلها التيارات الاستقلالية على رأسها حزب الأمة.
ومن الطرائف في هذا الجانب، أن الكاتب الصحفي الراحل عبد الرحمن مختار روى أن الصاغ صلاح سالم حاول تجنيد شاب من حزب الأمة ليأتيه بأخبار الحزب وحراكه السياسي فأخطر الشاب زعيم الحزب عبد الرحمن المهدي الذي طلب منه مجاراته، وبعدها بأيام قليلة نظم الزعيم الأنصاري حفل عشاء على شرف الصاغ صلاح سالم، وفجأة نادى عبد الرحمن المهدي الشاب الذي حاول الصاغ تجنيده، وقال للصاغ هذا هو الشاب الذي حاولت تجنيده، فغضب صلاح سالم واعتبر ما حدث مؤامرة وغادر غاضباً مائدة العشاء.
فترة الفريق عبود
لم تشهد فترة حكومة 17 نوفمبر 1958 برئاسة الفريق إبراهيم عبود توتراً في العلاقات بين الطرفين، حيث أن حكومة عبود وافقت على طلب مصر بالسماح بغمر مياه السد العالي مدينة وادي حلفا، وترحيل سكانها بعد تشييد السد، وهو ما أثار غضب أهالي حلفا وسائر مواطني السودان وقتها، غير أن المخابرات المصرية آنذاك كانت تهتم بالنشاط الشيوعي وتعمل على كبته، ولهذا كانت تدرك أن الحزب الشيوعي السوداني يسعى للتواصل مع رصفائه في مصر فيما يعتبره تأسيس وتنسيق العمل النضالي ضد ما يعتبره حكم الطغمة البرجوازية العسكرية برئاسة عبد الناصر. وفي هذا الجانب روى أحد أقطاب الحزب الشيوعي السوداني المخضرمين ويدعى سلامة عبر حوار أجراه الزميل عماد الحلاوي في جريدة (الأزمنة) قبل عدة سنوات، قال فيه إن الحزب ابتعثه إلى العاصمة المصرية القاهرة للعمل سراً لتوحيد التيارات الشيوعية المتنازعة فأقام في إحدى المستشفيات بحجة المرض، وقام بالاتصال ببعض الكوادر الشيوعية المصرية واجتمع بهم سراً في المستشفى، وعندما ظن أنه أكمل مهمته بنجاح اتجه إلى شقة أحد أقربائه ومن ثم يقوم بنقله بواسطة سيارته للمطار، وكان جار قريبه المصري قد قال له إن سيارته تحت خدمته إذا احتاج لنقل ضيفه للمطار، وعندما حانت مواعيد سفره تفاجأوا بأن أحد إطارات السيارة متعطل فطلب من جاره المصري القيام بتوصيلهم للمطار والذي رحب على الفور.
ويقول سلامة إنه ركب في المقعد الخلفي وعندما تحركت العربة لاحظ إن السائق المصري قام بتوجيه مرآة السيارة نحوه فحاول تجنبه وهنا فاجأه منادياً له باسمه (إزيك يا أستاذ سلامة) ثم قال له إنهم في المخابرات المصرية يعلمون بمهمته منذ أن وطأت قدماه مطار القاهرة، وأن الكوادر الشيوعية المصرية التي ظن أنه نجح في رتق خلافاتها هي من صنعهم هم وهناك العشرات منها .
فكانت صدمة كبيرة له ولحزبه الذي اتبعثه للقيام بمهمة لا يمكن أن تفوت على نظام مخباراتي حاذق وعتيق في المنطقة العربية.
بطيخ عبد الرحمن فرح!
عقب انتفاضة أبريل 1985 تكونت الحكومة من إئتلاف ثلاثي مكون من حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي كشريكين رئيسين مع مشاركة حزب الجبهة الإسلامية والذي خرج لاحقاً من الإئتلاف، وكان رئيس جهاز الأمن العميد عبد الرحمن فرح (حزب الأمة) حكى أحد المصادر طرفة قال فيها إن جهاز الأمن كلف أحد كوادره ببيع بطيخ بالقرب من القنصلية المصرية أو لعلها السفارة لمراقبة الأوضاع هناك، فجاء أحد رجال المخابرات المصرية فحمل بطيخة وسأل عن سعرها فلما أخبره قال له باللهجة المصرية (هو بطيخ عبد الرحمن فرح ده غالي أوي كدى)، فسرعان ما اختفى بائع البطيخ المخابراتي بعد أن تم حرقه بعد تلك الخطوة الساذجة .
حرب التجسس بين الإنقاذ والقاهرة
قاد التوتر المستمر بين القاهرة والخرطوم إبان حكومة الإنقاذ السابقة لتبادل الاتهامات المتعلقة بالتآمر ضد بعضهما البعض أو بالتجسس، وكان وزير الخارجية السابق علي كرتي انتقد المخابرات العامة المصرية متهمًا إياها بالتعامل مع عناصر معارضة للنظام السوداني وتقديم الدعم لها، وأن الحكومة السودانية تملك كافة المعلومات التي تؤكد ذلك.
اتهام تجار أوانٍ بالتجسس
وكان جهاز الأمن السوداني آنذاك يتحسب لتحركات المخابرات المصرية في السودان ولهذا عندما نشط تجار مصريون متجولون في بيع الأواني في مناطق مختلفة في الخرطوم لعدة سنوات وضع الجهاز في عدسته تلك التحركات ، فقام بإبعاد البعض منهم لبلادهم والتحقيق معهم، ولم تعلق القاهرة رسمياً على تلك الخطوات السودانية إعلامياً بيد أن صحيفة (المصريون) قالت في شهر فبراير من العام 2007 (إن السلطات السودانية اعتقلت 21 مصريًا قبل شهر، دون أن يعلم أقاربهم أي معلومات عنهم حتى الآن، كما تم وضع 6 آخرين تحت الإقامة الجبرية، وتمت مطالبتهم بمغادرة البلاد لكونهم غير مرغوب فيهم، دون إبداء أسباب”.
وتقول الصحيفة إن الأهالي رفعوا شكاوى لوزارة الخارجية المصرية، وقنصل مصر بالسودان، ومجلس الوزراء، مطالبين في شكواهم الحكومة المصرية بالتدخل للإفراج عن أبنائهم المعتقلين.
وجاء في شكوى أهالي المعتقلين المقيمين بقرى “أبو شنب وكحك” بمركز إبشواي ويوسف الصديق في الفيوم، أن أولادهم المعتقلين كانوا يعملون في تجارة الأدوات المنزلية منذ وقت طويل جداً من عام 2000 تقريبًا، ولكن مؤخراً بدأت أجهزة الأمن السودانية بمضايقتهم بشدة وقاموا بمصادرة بضائعهم وأجبروهم على التواجد يومياً في المخابرات وأجهزة الأمن السودانية.
كما تم القبض على 6 أشخاص يوم 21 فبراير من منازلهم، وهم: شعبان جودة عبد الله، وأيمن أحمد رشوان، ومحمد شعبان عبد الصادق، وياسر هاشم خاطر، وعمر محمد أحمد، وصلاح رفاعي السيوفي.
وألقت السلطات السودانية أيضاً القبض على 6 أشخاص آخرين في نيالا وبعد التحقيق معهم واستجوابهم أجبروهم على الإقامة الجبرية في منازلهم لحين استكمال التحقيق معهم وصدور أي تعليمات أخرى.
وأبلغتهم السلطات السودانية بأنهم غير مرغوب فيهم وأن عليهم مغادرة البلاد، مما دفع أهاليهم لمطالبة وزارة الخارجية والحكومة المصرية بالتدخل لإيجاد حل مع السلطات السودانية ولو بإعطائهم مهلة حتى يقوموا بتحصيل أموالهم التي هي ثمن غربتهم فهم يعملون بنظام الأقساط لمدة 6 أشهر في بيع الأدوات الكهربائية والمنزلية ولهم مبالغ مستحقة لدى عملائهم لم يأت ميعاد سدادها وتستطرد الصحيفة قائله إنه تم أخيرًا القبض على 15 مصرياً آخرين دون معرفة أماكن احتجازهم وبدون أي أسباب معروفة وهؤلاء الأشخاص هم: سيد كيلاني، وأحمد عبد الكريم، ومحمد عيد عبد الكريم، احمد مراد، علي عبد العزيز مراد، وحمادة عبد العاطي مراد، أحمد عبد القوي علي، وعماد سنوسي علي، وشعبان عبد القوي، وأحمد عبد الرحمن أحمد، ومصطفى عطية محمد.)
قوارب تجسس مصرية
في العام 2015 بحسب مصادر صحفية سودانية أن السلطات السودانية أوقفت سفينة مصرية تحمل مائة واحد فرداً عدا خمسة أطفال دخلت المياة الإقليمية السودانية دون إذن مسبق، وعند تفتيشها للمرة الأولى لم يتم اكتشاف شيء يخالف القانون فسمح لها بالإبحار ثم ارتابت مجدداً فقامت بتوقيفها بواسطة مروحية وإعادتها مرة أخرى قبل أن تصل المياه المصرية حيث تم اكتشاف كاميرات عالية الجودة ومتطورة جداً ومرتبطة بجهاز بث سري واستشعار وتحليل لتقع المجموعة المصرية التى تجسست بقبضة المخابرات السودانية وتم انتزاع معلومات مهمة وخطيرة ومعرفة كل ما قام به الفريق المصري المتجسس، وقد اتضح أنهم رجال مخابرات برتب ضباط ويرأسهم ضابط كبير هو المشرف على العملية، بحسب الصحيفة التي أضافت (إن السلطات السودانية اعتقلت في شهر نوفمبر من نفس العام (24 شخصاً بينهم مصريون بمدينة بورتسودان الواقعة في ولاية البحر الأحمر السودانية في ظل تكتم شديد على الأمر، تأتي هذه الاعتقالات على خلفية اتهامات بالتخابر مع دولة “عربية” لم تفصح السلطات السودانية عن اسمها. وقد نُقل المتهمون إلى الخرطوم مباشرة.
ووفقاً لذات المصدر فإن السلطات السودانية اعتقلت 24 شخصًا من بينهم مصريون بمدينة بورتسودان الواقعة في ولاية البحر الأحمر السودانية في ظل تكتم شديد على الأمر وتأتي هذه الاعتقالات على خلفية اتهامات بالتخابر مع دولة “عربية” لم تفصح السلطات السودانية عن اسمها.
اتهامات رئاسية لمصر
خلال زيارة الرئيس االسابق عمر البشير للإمارات قبل أكثر من عامين، اتهم المخابرات المصرية بالتجسس لصالح المعارضة المسلحة، كما قال إن مصر تدعم دولة «جنوب السودان» المنفصلة بالسلاح والذخيرة، إضافة إلى استضافتها رموز المعارضة السودانية على أراضيها.
الاتهامات المتبادلة بين المزايدة والحقيقة
ربما كان كثير من الاتهامات التي تساق بين طرفي الحكومة المصرية وحكومة الإنقاذ سابقاً قد يخالطها شيء من محاولة تعليق الفشل والأزمات لبعضهما البعض، وقد تأتي خطوات إبعاد الحكومات في البلدين لمواطني كل دولة من بلادها أو التضييق عليهم كرد فعل سياسي لتطورات الأزمة بينهما، أو ربما لتبيان وجهات نظر سياسية محددة، ولعل اعتقال الشاب وليد عبد الرحمن مؤخراً وإجباره على الأدلاء باعترفات في إحدى القنوات الفضائية يقع في هذا الإطار الأخير، مما يحتم على الحكومة أن تبذل جهداً كبيراً مع السلطات المصرية لإطلاق سراح الشاب المعتقل سيما أن الحدث يشكل أول اختبار حقيقي لمستقبل العلاقات بين البلدين على الأقل في الفترة الانتقالية الحالية.