تنازل حمدوك
مرة أخرى ترغم غطرسة المتمردين من حملة السلاح مسؤولاً كبيراً في الدولة على التنازل عن صفته الرسمية وتجريده من موقعه الدستوري من أجل لقاء شخص لا مشروعية له إلا البندقية فقط.!!
بعد انتخاب الصادق المهدي رئيساً لمجلس الوزراء أرغمه جون قرنق على خلع عباءة الحكم ولقائه بصفته فقط رئيساً لحزب الأمة.. وكان جون قرنق في عنفوان شباب حركته التي رفضت الاعتراف بالحكومة الانتقالية برئاسة المشير سوار الذهب عليه رحمة الله، ودمغت الفترة الانتقالية بصفة “مايو تو” واشترطت التفاوض مع الحكومة المنتخبة.. وعندما جرت الانتخابات تمادت الحركة الشعبية في غيها ولم تعترف بالانتخابات التي جرت حينذاك وأهانت رئيس الوزراء وأضعفته.. وساهمت في إفشال التجربة الديمقراطية وساعدت البشير ليصل السلطة بانقلاب عسكري.. والتاريخ اليوم لا يعيد نفسه كما يزعم بعض الناس ولكنه ينتج أحداثاً مشابهة لأحداث الأمس..
الحركة الشعبية بقيادة الحلو رفضت الاعتراف بالمجلس الانتقالي “العسكري” واشترطت تكوين الحكومة المدنية للتفاوض معها، وقد التزمت الحركة الشعبية بما قالت وأعلنت وجرت المفاوضات الأولى وينتظر أن تنعقد في 14 أكتوبر الجاري المفاوضات المفضية للسلام النهائي.. ولكن عبد الواحد محمد نور لم يعترف بالحكومة الانتقالية التوافقية ولا بالتوثيقة الدستورية التي تنظم أداء الدولة خلال الفترة الانتقالية.. ونظر لوجهه في المرآة ووجدها على مقاس وجه جون قرنق الذي داس على النظام الديمقراطي بقدميه واحتقر رمزية خيار الشعب.. وجلس معه بعد تجريده من سلطة منحها له الشعب..
عبدالواحد محمد نور ليس جون قرنق.. وحركة تحرير السودان لا تملك رصيداً من البنادق ولا الجماهير مثل الحركة الشعبية رغم سيطرتها على معسكرات النازحين في كلمة وأبوشوك والحصاحيصا وخمسة دقائق وتسخيرها لطموحات البسطاء وغبائنهم وصرفها كعمولة في بنك السياسة.. وعبدالواحد بعد لقائه رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في باريس أصدر بياناً مهيناً لرئيس الوزراء وللشعب السوداني الذي توافق عليه لقيادة الفترة الانتقالية ورغم أن اللقاء بين “القائد” عبدالواحد محمد نور وبين الدكتور عبدالله حمدوك عقد بين رئيس حركة مسلحة وبين حمدوك بصفته الشخصية وليس بصفته رئيساً لوزراء السودان!! هل فعلاً انعقد اللقاء بهذه الصفة رئيس حركة مسلحة يلتقي مواطناً سودانياً اسمه عبد الله حمدوك من أهالي جنوب كردفان محلية القوز قرية السليك؟؟
هل يملك حمدوك حق تجريد نفسه من موقعه الدستوري ويتنازل عنه لإرضاء عبدالواحد محمد نور ويقبل شروطه للدخول في تفاوض في مقبل الأيام؟؟ إنه الغرور والتمادي في ازدراء حكومات السودان المتعاقبة التي فشلت في مخاطبة جذور أزمات البلاد مما أغرى عبدالواحد وقبله جون قرنق وغداً سيد أبوآمنة في الشرق للتمادي في رفع العصا في وجه السلطة وإهانتها وإضعافها أمام الرأي العام..!!
مهما تعاظمت قوة عبدالواحد محمد نور على الأرض ونجحت حركته في إثارة البلبلة في المدن بغرب السودان وتخويف قوى الحرية والتغيير فإنه لا يملك فرض شروطه على كل السودان وغير مقبول مطلقاً أن يتنازل رئيس الوزراء عن صفته الرسمية ليجلس أمام شخص لم يفوضه أحد للحديث نيابة عنه ولا يملك مفاتيح دارفور في جيبه حتى يفرض شروطه على الحكومة بهذا الصلف والكبرياء الزائف.