نفس الذي حدث مع السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء في نوفمبر 1986 بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، عندما رفَض جون قرنق زعيم حركة التمرد يومذاك لقاءه بصفته رئيساً للوزراء والتقاه بصفته الشخصية كرئيس لحزب الأمة فقط، نفس الشيء حدث مع رئيس الوزراء الانتقالي الدكتور عبد الله حمدوك الذي التقى بعبد الواحد محمد نور رئيس ما يُسمى بحركة وجيش تحرير السودان في باريس أول من أمس، وإمعاناً في التقليل من أهمية اللقاء لم يعترف عبد الواحد بحكومة السيد حمدوك ولا بالسلطة القائمة في البلاد. وقال الناطق باسم حركته في تصريحات إن محمد نور وافق على مقابلة حمدوك بصفته الشخصية وبطلب من الأخير..
ما مِن إهانة لرئيس الوزراء وتصغيرٍ لدوره وتحقير موقعه مثل إهانة عبد الواحد الذي يظن دائماً ويتوهّم أنه مثل جون قرنق، ويحاول تقمُّص شخصية الزعيم الجنوبي الراحل، ويزعم أنه سيقاتل مثله لواحد وعشرين سنة، ولن يوقّع أي اتفاقية سلام مع أي حكومة في الخرطوم إلا بشروطه ورغبته ومزاجه، فبالله ما الذي يدفع حمدوك لقبول هذه الإهانة المباشرة له، ونرجو أن لا يأتي أحد ليقول إن اللقاء كان من أجل السلام والحوار مع كل طرف. إذا كان تقدير رئيس الوزراء على هذه الشاكلة فعلى الدنيا السلام، كيف تجتمع مع من لا يعترف بك كحكومة؟ ويختزل مكانتك السياسية وصفتك الدستورية كرئيس للوزراء في شخصك فقط، فهذا يعني أن اللقاء مجّرد هرطقة سياسية وتبادل أفكار شخصية لن يكون وراءها أي تقدم أو اختراق لموقف عبد الواحد المُتعنّت..
لقد استفاد عبد الواحد من الهديّة التي قدّمها له السيد رئيس الوزراء، واستثمرها إعلامياً وسياسياً ليقول إنه حجر الزاوية في مساعي السلام ووقف الاقتتال، وإن حركته هي التي تحدّد بوصلة واتجاه العملية السلمية بالبلاد. ويريد عبد الواحد الإشارة إلى أن رئيس الوزراء الانتقالي الذي يمثّل كل السودان وهو الذي اختارته قوى إعلان الحرية والتغيير، جاء إلى باريس وطرق بابه وطلب اللقاء وقبِل بالشرط المُجحِف الذي وضعه رئيس حركة ليس له على الأرض إلا حفنة من المقاتلين لاذوا بقمة جبل مرة واختبأوا في شواهقها دون أن يشكلوا خطراً يُذكَر ..
لو كان اللقاء مطلوباً لذاته، فتلك قضية أخرى قدّرها السيد رئيس الوزراء وفق معطيات حددها وارتآها، أما إذا كان الغرض من اجتماع باريس التفاهُم والتوصّل إلى نتيجة إيجابية تُعجّل بالسلام وتُنهي حالة الاحتراب فمن الضروري بمكان أن تكون صفته الرسمية حاضرة، لكن في المقابل نجح عبد الواحد في جرجرة حمدوك إلى المربع الذي يُريده، دون أن يتقدّم بحركته خطوة واحدة إلى الأمام تُغيّر من مواقفه المُعلنة مسبقاً، ولم يكتشف السيد رئيس الوزراء جديداً لدى الطرف الآخر الذي التقاه، بل أكد عبد الواحد عدم اعترافه بالحكومة ولا بمنصب الرجل الجالس أمامه.
إذا كان رئيس الوزراء يُريد إيصال رسالة للعالم وللداخل السوداني بأنه منفتح على كل الحركات وحريص على تحقيق السلام ووقف الحرب وإسكات فوّهات البنادق، كان عليه أن يُحدّد هو لا عبد الواحد نوع وهوية اللقاء بصفته رئيساً للوزراء وليس مجرد مواطن عادي قابَل مواطنه بترتيب فرنسي ثم انفض السامر دون ثمار..! ولو جمع السيد رئيس الوزراء معلومات قليلة من أجهزة الدولة وحكومته ورهطه السياسي، لعرف أن عبد الواحد محمد نور هو الذي لا يُمثّل إلا نفسه، ففي مايو الماضي انتفض وأصدر المجلس الثوري لحركته بياناً ممهوراً بالقيادات المعروفة والوجوه التي أسسّت الحركة وقادت كل معاركها السياسية والعسكرية عزلت فيه عبد الواحد من رئاسة الحركة، وتنزّل القرار إلى مستويات أدنى داخل المعسكرات وفي الميدان، وتقود هذه المجموعة كما تقول المعلومات والتقارير حواراً مع المجلس السيادي الآن .