بعث إليّ أحد دهاقنة الاقتصاد السوداني صورة لزيارة أحد قيادات (القحاتة) لمنزله العامر، مُفاخراً على نهجه القديم محدثاً بنعم الله عليه!! وكان في العهد السابق لا يفتأ ولا يفتر من إرسال صور (البوبار) بما يشبه (البزار) مع نخبة من (الفلول).. تحتفظ ذاكرة هاتفي المحمول بعشرات الصور له مع أغلب قيادات الصف القيادي في المؤتمر الوطني.. ليسلمني إلى حيرة لا تتوارى من أمر هذا (الاندغام) المُخزي والتبدل الزنيم.
تبدّلت الأحوال ونامت (وداد أم جضوم)، لكن بعض الناس لم تتغيّر أحوالهم، فقط تغيّرت (يفطهم) ليمارسوا التطبيع المتماهي مع زوج أمهم الجديد!!
لم يحتاجوا إلى ذلك الوقت الضروري لإقامة علاقة جديدة، دون أيِّ نقطة ولا سطر جديد، تواصلوا بشهية يُحسدون عليها مع رموز التغيير، وتعاملوا وانصهروا واندمجوا حتى أنك لا تملك مع هذا الاندفاع والتوالي إلا أن تفرك عينيك وتكذب أذنيك، مقراً مع “داروين” بأنّ القرد هو أصل الإنسان، وأن الناس على دين ملوكهم.
المماليك الذين أحاطوا بالنظام السابق أفسدوا أي محاولة للإصلاح، ومارسوا دور الأبواق مكاءً وتصدية، وجعلوا أيِّ مُحاولة لإسداء النصح ضرباً من الجنون وإلقاءً في التهلكة.. أي صوت للعقل جابهوه وعقروه ودمدموا عليهم بلا ذنب وأخرجوهم من (الجنة وسقطا).. تم تدجين الاستنارة في مُقابل صعود (المُملسين) وماسحي الجوخ، حين قلنا لهم لا تسمحوا للجنة التحقيق الدولية بالدخول إلى السودان (نطوا لينا في حلقنا) واتّهمونا بالتولي يوم الزحف.. (كتلوا السارق) ليسمحوا للجنة التحقيق بالدخول (والدَّخلَة الياها)، انبنى كل حصار المحكمة الجنائية الدولية على عمل لجنة التحقيق المفبرك حتى إذا ما اكتمل الخناق على البشير، جعلوا من أمر المُطاردات موسماً متجدداً “للهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد”.. ومنفذاً للتكسب وابداء الولاء الأعمى قولاً بلا تفكير وعملاً بلا تدبير.
ولو علموا أن رضاء البشير في لعن المرسلين للعنوهم!!
يختانون كلمة الحق في قلوبهم، ولا يهزهم أنّ البضاعة المُزجاة ما بعد (البشير) لا تضارع شكلاً ولا مضموناً، وأن ماء وجوههم لا يكفي ومواصلة القوادة و(المُرازاة).
فمن للضحايا يُواسي الجراح..؟
من لُدن آدم وحتى الدقير، حفلت الدنيا بحزم من الأفكار المُتباينة.. انقسم الناس حولها وشغلوا.. واختلفوا ودانت الدنيا بعض الوقت لبعض الناس، ثم آلت عنهم لآخرين.. فلماذا يُعاود المُتصنِّعون المُداهنون ركوب كل موجة جديدة والبصق على ماضيهم بكل تلك الجرأة المهينة والصفيقة..؟
أخجل حينما أرى ذلك الشيخ وهو يدبج فتاويه الجديدة من أجل وجوب الإسراع بالتوقيع على اتفاقية سيداو بلا تحفظات!!
تلك الاتفاقية التي رفضها (بالمرة)، يوم كان بينه والنظام السابق (صلات وصلة).
سنتفرّج على فواصل مسرحية بالغة الهزل وكيف سيتساكنون مع من سيدوس على كل شعار وراية للإسلام، وكيف سيقبلون اتفاقية سيداو وبلا تحفظ، سنراهم هناك حضوراً أنيقاً عندما تُفتح البارات، وتشتم المذاهب الأربعة، وتسب الملة على قارعة الطريق دون أن ينتبه الطريق.. سيتمايلون مع (الخصل) الحرة الطليقة، سيرضون عن (مطاقشة) البناطلين الناصلة والمُجبّصة، ولن يروا أيِّ غضاضة في تبديل السلام عليكم بمساء الخير…
كأنّك ما عرفتنا يوم
ولا طليت في عينينا
الناس دي جنت واللاّ شنو؟!
ما الذي دهاهم ليعبروا كل تلك الأمتار من البر إلى الفجور.. وكان أمر تمسُّكهم بالفاضل من أخلاق يحتاج لدولة، وأن حراسة الجوارح لا تصلح إلا بانتداب الكشات والعسس.
بعض الظن البعيد أنها ليست سوى (فورة) لا تلبث أن تهدأ ليطلع الناس على حقيقة تموضعهم وتلك القيم التي نحيا عليها في زمان القحط.. والدم.. والهزائم.
كل المطلوب الآن أن يُوطِّنوا أنفسهم.. أن يبغضوا ويحبوا هوناً ما…
(وما شقّالو حنكاً ضيّعو).