ما يحدث في الساحة تصرُّف (صبياني) في السياسة
استخبارات إقليمية تدخّلت في الشأن السوداني
أنا في موقع الخيار الإسلامي لهذه الأمة
حوار: آمال الفحل
تصوير: محمد نور محكر
أَكّدَ القيادي بالمؤتمر الشعبي والباحث في مجال صناعة الدستور ومنهجية وضع الدساتير، أنّ الوثيقة الدستورية لا تُعالج أزمة البلاد، وقال إنها جاءت بطريقة تخالف الأصول لوضع الدساتير، ويوجد شكل دستوري متعارف عليه في العالم لوضع الدساتير، مُشيراً إلى الطريق الديمقراطي، مُبيِّناً أنه مجلس تأسيسي مُنتخب لأغراض الدستور، إضافة إلى أنه يوجد استفتاء شعبي يُستفتى فيه الشعب حول الوثيقة الدستورية، مؤكداً أنها تمثل أفكار الحرية والتغيير، وقال إنها عبارة عن رؤية سياسية وليست وثيقة دستورية، لذلك تعثرت في الإصلاح، وأشار كمال عمر في حواره مع (الصيحة) إلى وجود استخبارات إقليمية تتدخل في الشأن السوداني بغرض مكافحة الإسلام السياسي، متوقعاً حدوث انقلابات في الفترة القادمة، وتَطَرّقَ الحوار إلى عددٍ من المَحَاوِر فلنُتابع ماذا قال؟:
*بدايةً أين يقف كمال عمر من المشهد السياسي؟
أنا أقف مَوقف الحادب والحريص على اِستمرار الفترة الانتقالية لمُعالجة قضايا الحكم الأساسي في الحُرية والديمقراطية، لذلك أنا مُتواصلٌ مع كل القوى السياسية في الساحة السياسية، إسلاميين وعلمانيين، كما لي أصدقاء في تحالُف الحرية والتغيير مُتواصل معهم، وكان الأسلم للسودان وجود واقع دستوري وفاقي يجمع الناس في وثيقة دستورية واحدة، لكن للأسف الواقع الآن غير مُبَشِّرٍ بالاستقرار، وبدأ الخلاف أساسياً في عقد الدولة (الوثيقة الدستورية).
*مُقاطعة.. كيف ترى الوثيقة الدستورية؟
هذه الوثيقة الآن تُوجد فيها كثيرٌ من المشاكل والأخطاء، وأنا أتحدّث من ناحيةٍ علميةٍ بصفتي باحثاً في مجال صناعة الدستور ومنهجية وضع الدساتير، كما إنّني لي تجربة من العلاقات الفكرية والشخصية مع تحالف قِوى الإجماع الوطني وتحالُف جوبا، بالتالي لي تجربة من العلاقات الفكرية والشخصية معهم، وفي تقديري أنهم أخطأوا في الوثيقة الدستوية وهذه ليس وثيقة دستورية تُعالج أزمة البلد, بل اتفاق سياسي بين المجلس العسكري وتحالُف “قحت” للمناصب, وليس من المُمكن أن تتحدّث الوثيقة عن تنفيذ برنامج الحُرية والتغيير، هذه ليست وثيقة دستورية، لكن من المُفترض أن تتحدّث عن تنفيذ قضايا الثورة في الحُريات والديمقراطية، كما أنّها عُزلت منها القوى السياسية الإسلامية وخلقت اصطفافاً أيديولوجياً, صف إسلاميين وصف علمانيين, أمّا العلمانيون فقد اتّخذوا الوثيقة كمدخلٍ لتنفيذ أغراضهم، وطارحين شعار (أيِّ كوز ندوسو دوس)، فهذه ليست فترة انتقالية، إنّما فترة انتقامية.. وأحد أعضاء المجلس السيادي تَحَدّثَ عن الشريعة الإسلامية وفصل الدين عن الدولة وهذه ليست قضايا الفترة الانتقالية، وإنما محلها الدستور الثابت ما بعد الفترة الانتقالية.
*هل معنى هذا أنّ الحُرية والتّغيير لن تنجح في قياداة الفترة الانتقالية؟
بالتأكيد.. أنّا في تقديري أنّ قِوى الحرية والتغيير تائهون وسوف يقومون بإتاهة الشعب السوداني, فكل الفترات الانتقالية في تاريخنا السياسي نهايتها عسكرية (انقلاب) والآن ما يحدث هو عبارة عن تصرُّفٌ صِبيانيٌّ في السياسة، لذلك أنا بقدر مُحاولتي للتواصل معهم, لكي أقول لهم إنّ هذه الوثيقة لا تُعبِّر عن رُوح الدستور ورُوح المرحلة، لم أجد من يسمعني وهمّهم الأخير الوصول إلى السلطة, وأنا في موقع الدفاع عن الخيار الإسلامي لهذه الأمة، وأيِّ شخص قَتل أو أفسد، يجب أن يُقدّم للقضاء العادل والمُؤسّسات العدلية.
*ذكرت أنّ الوثيقة الدستورية مليئة بالأخطاء.. تحديداً ما هو شكل الوثيقة التي يجب أن تكون؟
يُوجد شكلٌ دستوريٌّ مُتعارف عليه في العالم لوضع الدساتير, أولاً يُوجد الطريق الديمقراطي وهو مجلس تأسيسي مُنتخب لأغراض الدستور، يعني جمعية تأسيسية مُنتخبة لأغراض الدستور، كَمَا يُوجد أيضاً استفتاء شعبي يُستفتى الشعب حول الوثيقة الدستورية، هذه هي الطُرق الديمقراطية، وتُوجد طرق استثنائية ويُوجد أسلوب المنحة مثلاً، حاكم تعرّض لضغوطٍ فعمل إصلاحات دستورية ودستوراً جديداً، كما يوجد أسلوب ينطبق على واقعنا اسمه أسلوب التّعاقُد أو أسلوب الوفاق، ومعنى هذا جمع الكيان السياسي الموجود في الدولة والدخول معه في اتفاقٍ، وفي تقديري أنّ هذه الوثيقة جاءت بطريقة تُخالف الأصول لوضع الدساتير، وشملت أفكار الحُرية والتّغيير في الحكم وهي عبارة عن رؤيةٍ سياسيةٍ وليست وثيقة دستورية، لذلك تَعَثّرت في الإصلاح, فهم الآن يتحدّثون عن حقهم في تعيين رئيس القضاء والنائب العام، فهؤلاء لا يختلفون عن المؤتمر الوطني, في تقديري لا يحق للمجلس العسكري بعد تشكيل الحكومة أن يقوم بتعيين رئيس القضاء والنائب العام, فرئيس القضاء تقوم بتعيينه مجموعة من القضاء، أما النائب العام تقوم بتعيينه مجموعة من المُستشارين، لذلك أقول إنّ كل التّصرُّفات في الساحة السياسية غير صحيحة لأنّها أثبتت وضعاً دستورياً مُشوّهاً, وأعتقد أنّ دستور المُستعمر عام 1953 أفضل من هذه الوثيقة, فالوثيقة التي تَمّ عملها في عهد الاستقلال أفضل من هذه الوثيقة الحالية، وهذه فوضى.!
*لكن حتى الآن شباب الثورة يخرجون في مواكب يُطالبون بتعيين رئيس القضاء والنائب العام؟
شباب الثورة الآن أنا لا أقول مُضلل، لكن هنالك تسويةٌ سِرِيّةٌ انعقدت بين المجلس العسكري وقِوى الحُرية والتّغيير ليست مفهومة بالنسبة لنا، فَلدينا شَبابٌ ثَائرٌ وقام بافتعال الثورة، لكنه للأسف الشديد سَلّمَها إلى أشخاصٍ مُحتاجين لمُراجعة.!
*عَطفاً على ما ذكرت بأنّ هنالك تسوية تَمّ عقدها بين المجلس العسكري وقِوى الحُرية والتّغيير، تقصد بذلك ضبابية في المشهد السياسي؟
نَعم تُوجد ضبابية في المشهد السياسي وعدم وُضُوح، فهل يُعقل أن يقوم رئيس مجلس الوزراء بإخراج لجنة تَحقيق من غير أسماء، فهل تُوجد لجنة تَحقيق في العالم بدون أسماء والآن تم تكوين لجنة تحقيق بدون أسماء، فكل وزير الآن له حَق التّصرُّف بمفرده, ونحن الآن اخترنا نظام البرلمان، فالشرط الأساسي لهذا النظام هو الانتخابات، والآن 67% تتم بالتعيين وما تبقى منهم يشترط مُوافقتهم، وفي تقديري النظام البرلماني الآن في الدستور ليس هو النظام المُتعارف عليه، لأنّه لا تُوجد عُضوية برلمان تتم بطريقة التعيين. لذلك، النظام البرلماني تم اختياره بطريقةٍ غير صحيحةٍ، كما أنّ المفاهيم في الوثيقة الدستورية تمّ اختيارها بطريقةٍ غير صحيحةٍ، ودرجة التعيين والمؤسّسات أيضاً غير صحيحية، فهذه الوثيقة مليئة بالأخطاء في المفاهيم الدستورية، فأنا الآن ينتابني الخوف على السودان وكان من الأسلم والأجدى انتخابات مُبكِّرة, وأهم فصيل في تحالُف الحرية والتّغيير الذي يمثل الجبهة الثورية هم في خلافٍ معهم, كمَا تُوجد استخبارات إقليمية تدخّلت في الشأن السوداني وقامت بتقديم رشوة لبعض القوى السياسية وتقوم بتواصل مع استخبارات إقليمية بدعوة مُكافحة الإسلام السياسي وهذه مُشكلة، وأيضاً تُوجد قنوات فضائية تعمل لصالحهم بغرض تصفية الإسلام السياسي بالسودان وفي الواقع لتصفية الإسلام من الحياة العامة، بدليل أنّ وزراءهم تَحَدّثُوا عن ذلك، ونجد أنّ شباب الثورة مخدوعون بكلمة مدنية, فكلمة مدنية تعني الدولة التي لا دين لها، بدليل أنّهم سحبوا الشريعة الإسلامية من مصادر التشريع، معنى ذلك أنّ هذه الوثيقة تُعبِّر عن الدولة التي لا دين لها، فَأنَا قلت لهم لا تدخلونا في صراعٍ فكري حول علاقة الدين بالدولة في هذه الفترة، لأنّ هذا ليس زمنه وتاريخه, تاريخه هو الذهاب إلى الدَّستور ونعمل استفتاءً للشعب السوداني، إذا الشعب قال لا نريد الدين هذا من حقه، لكن ليس من المعقول أن تأتي مجموعة وتفرض أيديولوجيتها علينا وتفرض فصل الدين عن الدولة، وأُكرِّر فصل الدين عن الدولة في المُؤتمر الدستوري والاستفتاء والدستور الثابت، لكن الآن لن نسمح بتمرير أجندة تنظيم سياسي وتنظيمات سياسية في العهد الانتقالي.
والآن يوجد معتقلون في السجون في حالة طواريء، لماذا لم يدلِ برأي فيها؟ هل لأنّ الإسلاميين لا يستحقون الحريات والعمل السياسي وهذا يقود إلى انقلابات..؟!
*بمعنى أنّك تتوقّع حُدُوث انقلابات؟
أنا مُتوقِّع ليس انقلاباً واحداً، وإنما انقلابات، فإذا استمر هذا الإقصاء سيحدث عدم استقرار, ونحن حريصون على الوفاق السياسي واستقرار الفترة الانتقالية، وقُمنا بمد يدنا لكل القِوى السِّياسيَّة وطرحنا مشروعنا في الحكومة الانتقالية, فالمؤتمر الشعبي لا يُريد المُشاركة في الحكومة، وإنّما يُريد نجاح هذه الثورة، كما أنّه يُريد الديمقراطية، والذي يحدث الآن ليست له علاقة بتطلُّعات الشعب السوداني.
*وكيف ترى الحكومة الانتقالية.. هل جاءت مُلبية لطموحات الشعب السوداني؟
90% من عضوية هذه الحكومة لم أسمع بهم في الحياة السياسية، لقد تم اختيارهم وهم في خارج الوطن, فرئيس الوزراء يمتاز بكفاءةٍ، كما أنّه حَريصٌ على السودان، لكن التجاذُبات السِّياسيَّة لا تُساعده على النجاح، وتمّ اختيار وزراء له دُون تطلُّعات الشعب السوداني، فيُوجد بعض الوزراء هم نكرات لا علاقة لهم ولا معرفة لهم بالعمل السياسي، وبعضهم ليست له خبرة سياسية دستورية.
*وهل تتوقّع نجاح هذه الحكومة؟
هذه الحكومة ستفشل، ولكن ليس بسبب اختيار عبد الله حمدوك رئيساً للوزراء، ولكن بسبب الاختيار الخاطئ للوزراء.
*هل يُمكن أن تُعَدّل هذه الوثيقة؟
يُمكن تعديلها، فإذا أرادوا استقرار البلد، من المُفترض تعديل هذه الوثيقة بشكلٍ مُرضٍ يُلبي طُمُوحات الشعب السوداني، في تقديري هي مشروع للوثيقة والشعب السوداني كله لم يختار المجموعة التي وقّعت عليها.. كما أن معايير وضع الدساتير غير واردة فيها.
*بصفتك باحثاً في مجال صناعة الدستور ومنهجية وضع الدساتير ماذا يُضاف لهذه الوثيقة لتكون بمعايير صحيحة؟
أولاً، يجب أن يَتّسع النِّقاش فيها وذلك بإضَافَة قِوى سياسيّة أُخرى وخُبراء في القانون الدستوري بالسودان, فالسودان ملئٌ بالكفاءات، أذكر منه بروفيسور ياسين عمر يوسف، إضافةً إلى علي سليمان، فهذه الوثيقة تم وضعها بواسطة قانونيين ليست لهم علاقة بالقانون الدستوري، كما أنّ هنالك دستوريين ليست لهم علاقة بالعمل السياسي.
*أين صوت التيار الإسلامي؟
يُوجد تيارٌ إسلاميٌّ كبيرٌ شارك في الثورة تَمّ عزله، كما تَمّ عزل الجبهة الثورية، فهذة وثيقة إقصائية.
وكيف ترى تصريح عضو مجلس السيادة عائشة موسى التي صَرّحت بوقف العمل بالشريعة الإسلامية، بحجّة أنّ السودان بلدٌ مُتعدِّد الأديـــــــان والأعْــــــــــراق؟
هَؤلاء الوزراء لا يعرفون ما هي مُهمّتهم، لقد تَمّ تَعيينهم وقاموا بمُمارسة مهام ليس من مهامهم، وعضو في مجلس السيادة يَتَحدّث عن الشريعة معناه لا يعرف عمله ومهامه في الدستور، كما أنّه لا يعرف مهام الفترة الانتقالية، بل أن يستفزّ الناس، وبهذا الأسلوب سيكره الناس الحكومة الانتقالية!! فهل يُعقل أنّ وزيرة التعليم العالي تنتهج نهج المؤتمر الوطني وأساليبه وتقول سأعمل (كنس ومسح لبعض مُديري الجامعات؟) فهذه في تقديري جاءت من حيث انتهى المؤتمر الوطني، فهذا لا يُليق بوزيرة تربية وتعليم وهذه ليس مُهمّتها..!