تعرض الولاة العسكريون لضغوط كثيفة فوق طاقة البشر.. وتم استهدافهم ودمغهم بالتبعية للمؤتمر الوطني ومحاولة ابتزاز بعضهم من قبل قوى الحرية والتغيير التي حاولت أن تحكم من وراء العسكريين وأملت على بعضهم فصل وتشريد خصومها.. وتعيين محاسبيها.. وحينما بلغ السيل الزبى وفاض الكيل وضاق العسكريون بالحكم طالبوا رئيسهم ومن حملهم مسؤولية التكليف بإعفائهم من مواقعهم المؤقتة والعودة لثكناتهم ووحداتهم كضباط في القوات المسلحة.. ووجد الفريق البرهان نفسه أمام وضع لا يُحسد عليه.. قانوناً ودستوراً ..
سلطة تعيين وإعفاء الولاة مسؤولية رئيس الوزراء الغائب عن البلاد.. وواقعياً وأخلاقياً ولاة الولايات هم ضباط في الجيش تم تكليفهم بصورة استثنائية لإدارة شأن الحكم في الولايات إلى حين تعيين ولاة مدنيين من قوى الحرية والتغيير..
الفريق البرهان يظل مسئولاً عن الأمن في كل السودان وفي حال سحبه للولاة العسكريين وحدوث فراغ إداري وسياسي في ظل الاحتقان الذي تعاني منه أغلب الولايات فإن ذلك يهدد بحدوث ما لا يحمد عقباه..
ولكن حماية أي ضابط في الجيش والشرطة والأمن هي مسئولية الفريق البرهان.. وضباطه اليوم يتعرضون للإهانة والتعريض بهم ونثر الاتهامات الجائرة بحقهم في وسائل التواصل الاجتماعي، بل إن قوى الحرية والتغيير أخذت تتبنى الاحتجاجات اليومية في عدد من الولايات وتجييرها لصالح مشروعها السياسي..
الخطوة التي أقبل عليها المجلس السيادي بسحب الولاة العسكريين قبل توقيع السلام مع الحركات المسلحة أو الجبهة الثورية تمثل مغامرة غير محسوبة النتائج, فولايات دارفور بوضعها الراهن ليس بمقدور والٍ موالٍ لقوى الحرية والتغيير البقاء في كرسي الحكم ليوم واحد.. لأن القاعدة الجماهيرية مع عبد الواحد محمد نور ومني أركو مناوي وجبريل إبراهيم.. ولكن إذا تمت قسمة كراسي الولاة بين قوى الحرية والتغيير وحدها فإن دارفور ستشتعل مرة أخرى، وقد فشلت قوى الحرية والتغيير في إقامة ندوة واحدة بمدينة الفاشر، فكيف لمنسوبيها حكم زالنجي والجنينة وكادقلي والدمازين والضعين؟؟
نعم الولاة العسكريون لا مستقبل لهم من واقع الانتقال إلى الحكم المدني.. ولكن ذهابهم عشوائياً وإحلال ولاة مدنيين مكانهم من غير اتفاق سياسي وإشراك لقوى الكفاح المسلح التي هي من أشعل نيران نيالا لإحراج الحكومة المدنية، وهي من وقفت وراء مظاهرات كسلا الأخيرة والمطالبة بحق تقرير المصير والحركة الشعبية هي من أعادت الروح للمشورة الشعبية في النيل الأزرق، فكيف يستطيع ولاة تختارهم “قحت” بملابس مدنية وحتى لو كانت عقليتهم عسكرية فإنهم بالطبع أعجز عن إدارة أمر الولايات في ظروف الراهن بالغ التعقيد وهل يستطيع حمدوك اختيار الولاة الجدد بيسر وهو متنازع بين أحزاب عديدة طامعة في كراسي السلطة وكيفية تشكيل الحكومات الولائية، وهل سيتم إلغاء الهياكل الحالية واستبدالها بأخرى؟ إنها قضايا لا يملك حمدوك وحده لها حلاً.. إلا بالعودة لقوى الحرية والتغيير المتنافرة عند المغانم..!