الحرية والتغيير … تمكين وكنس!!
إعداد: النذير دفع الله
عندما جاءت الإنقاذ في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، صاحت في الناس أنها جاءت للغصلاح والتغيير وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن براثن الفقر والفساد، ولكنها سرعان ما وقعت في غيابة الجب وعاثت في الوطن فساداً فقتلت وشردت وأفقرت ورمّلت ويتّمت، ولم تدرك أن الشعب مهما تكالبت عليه الابتلاءات والمحن لن ينسى من أساء إليه.
وبعد مرور ثلاثين عامًا عجافاً سقط مشروعها الحضاري قبل أن تسقط الإنقاذ نفسها، وجاءت الحرية والتغيير وأصبحت تلعن الانقاذ وتسعى في كنس آثارها بكل صالحها وطالحها، كما بدأت الإنقاذ فأصبحنا هكذا (كلما جاءت أمة لعنت أختها)، وهو ما يجب على الحرية والتغيير أن تنتبه إليه جيداً قبل أن يبدأ (ثيموميتر) الأخطاء في بداية العد التنازلي فينطبق القول (كما تدين تدان)، سيما وأن البعض بدأ يتهمها بمحاولة التمكين لكوادرها وأفرادها بدلاً من التأسيس للخبرة والكفاءة كما ادعت .
عزل بأمر الثورة
أكد الناطق الرسمي باسم قوى إعلان الحرية والتغيير وجدي صالح أن خطوة مديري الجامعات الذين تقدموا باستقالاتهم بعد أن علموا بأمر عزلهم من جانب وزيرة التعليم العالي لا تعتبر استقالة، وقال وجدي إن الذين يتحدثون عن التمكين من جانب قوى إعلان الحرية والتغيير كما كان يفعل النظام السابق هم أنفسهم أعضاء النظام السابق، ويروجون لهذا الأمر، مشيرًا أنه لا توجد مقارنة بين ما كان يفعله النظام أو قد فعله، وبين ما يحدث الآن من تغيير. وأضاف وجدي: من الطبيعي أن تشكل الحكومة من جانب قوى إعلان الحرية والتغيير من حيث الدفع ببعض الأعضاء من عدمه، ومتابعة الأداء وتقييم أداء الحكومة، موضحاً أن الحكومة حتى اللحظة لم تتخذ القرار السليم والمناسب من تذليل الصعاب حول تفكيك الدولة العميقة، وهو أمر سلبي وليس إيجابياً من الحكومة، وشدد وجدي على عزل كل القيادات التابعة للنظام السابق من كل المؤسسات والتي تقف أمام أهداف الثورة، منبهاً أن عملية التمكين التي يتحدث عنها البعض لم ولن تحدث مطلقاً من جانب قوى إعلان الحرية والتغيير، مؤكدًا أن الكفاءات فقط هي التي ستنافس ويكون لها وضعية خلال المرحلة المقبلة .
عسكرية وليست مدنية
القيادي بالمؤتمر الشعبي والقانوني أبوبكر عبد الرازق قال (للصيحة) إن قوى إعلان الحرية والتغيير أسوأ من النظام البائد، لأن الدكتاتورية المدنية أسوأ من الدكتاتورية العسكرية، لأن العسكرية بها شيء من النظام، بينما المدنية تتظاهر بالمظهر البراق كما الأفعى ناعمة الملمس سيئة المقرص، فضلاً عن أن العسكرية لها تقاليد راسخة في التعامل مع الناس والأمور بينما المدنية إذا خلت من الخبرة فهي أسوأ من العسكرية، لأنهم ينتقدون أبسط الأخلاق لا يملكون خبرة السنين وحكمة العقلاء ولا مؤشرات العقل، وإنما يمتلئون من البعض بالحقد والحسد وهي نظرية عدوانية تجاه الآخرين، مؤكدًا أنهم لم يفعلوا شيئاً لأنهم جوعى للسلطة يريدون الاستفراد والاستنفاع بنعيمها.
وأوضح أبوبكر أن قوى إعلان الحرية والتغيير يدركون أن هذه الحكومة هي حكومة استعمار، لأنها لم تتكون بخيار الشعب، كما أن القيادة العسكرية مغلوبة على أمرها وقبلت المشاركة في السلطة كراهية من غير رضى أو قناعة.
وكشف أبوبكر أن السفير الأمريكي والمبعوث البريطاني ودولتين عربيتين خليجيتين هم من يؤثرون في اتخاذ القرار في السودان، مبيناً أن الحرية والتغيير هم وكلاء للاستعمار الجديد، وليسوا وطنيين كما يدعون، ولا يمتون للوطنية بصلة، فقط يريدون الاستئثار بالسلطة لأنهم جاءوا إليها من غير انتخاب أو انقلاب، وأقر أبوبكر أن المؤتمر الشعبي لم يتضرر من كل تلك الممارسات، ولن يتضرر لأن حكومة الإنقاذ لم تترك لنا شيئاً نتضرر منه. حسب قوله.
تشريد الكوادر
لم تمض أيام على استقالة مديري الجماعات الذين علموا بأمر أعفائهم ولكنهم حاولوا المحافظة على جزء من كرامتهم فبادروا بالاستقالة التي لم تكن معهودة من قبل، وحدثت في جامعاتهم أكثر من كارثة كانت تجبرهم وتلزمهم على الاستقالة ، وفي ذات الأمر لم تظهر من أهداف قوى الحرية والتغيير غير لغة الإعفاء والعزل التي أصبحت تطال كل المؤسسات فإعفاء وكلاء وزارات المعادن والصناعة والتجارة واحدة من تشريد الكوادر التي تدرجت حتي وصلت لمنصب الوكيل وليست وظيفة سياسية يتم التعيين لها.
أين الخدمات؟
بينما أوضح عدد من المواطنين أن الإعفاءات لم تحدث جديدًا في أمر الخدمات، وظلت الأوضاع كما هي عليه، حيث لا زالت قطوعات الكهرباء والمياه وندرة الوقود وأزمة المواصلات كما هي، بل ازدادت سوءاً.
وقال إبراهيم حسن: نطالب الحكومة الجديدة عدم الالتفات والانشغال بإجراءات لا تخدم المواطن والتأخر في تجويد الخدمة وعليها التركيز كيف تقدم الخدمة، وليس من يقدم الخدمة، وإلا ستكون قوي الحرية والتغيير نسخة أخرى من الإنقاذ لأنها جاءت بذات الأهداف، وأنها تريد أن تنقذ المواطن من براثن الظلم والجوع والقهر، ولكنها حادت عن الطريق ففسدت وأفسدت وظلمت وأكلت وفعلت ما لم يفعله الأوائل، وعلى الحرية والتغيير أن تنتبه جيداً وإلا فإن الشارع يظل هو الخيار المتاح.
شرعية ثورية
الأمين السياسي الأسبق لحركة الإصلاح الآن فتح الرحمن فضيل، قال (للصيحة) إن فكرة قوى الحرية والتغيير صحيحة، ولكن التنفيذ خطأ لأن أي رجل سياسي في العالم متى ما أتيحت له فرصة أن يكون في سدة الحكم والسلطة، فإن أول خطوة له هي التخلص من الوظائف القيادية سياسياً، ولكنه مهما كان الأمر لا يجب التدخل في الوظائف المدنية والتكنوقراط، وأضاف فضيل: أي شخص تدرج حسب مدخل الخدمة العامة نأخذ مثالاً وزارة الخارجية بداية بالسكرتير الثالث حتى مرحلة مستشار إذا تم عزله بهذه الطريقة، فإن قوى الحرية والتغيير بعدها يمكن أن تعفي أو تعزل أي مواطن في البلد، لأن الأشخاص الذين توظفوا عبر مدخل الخدمة هو حق من حقوقهم، ولا يمكن عزلهم، مؤكداً أن الحكومة السابقة مكنت أفرادها وعضويتها لكن أي شخص تدرج حتى وصل للدرجة الأولى لا يمكن عزله.
كاشفاً أن هناك من تخطوا الرقاب وأصبحوا في القمة، وهو في درجات مثل الخامسة والرابعة، فإنه بذلك غير مستوفٍ لشروط الخدمة، مبينًا أي شخص غير مستوفي الشروط يجب أن يذهب منها حتى إذا كان في الخدمة المدنية.
وأشار فضيل أن أي ممارسة تقوم بها قوى الحرية والتغيير بطريقة هستيرية وهوس سيكون هو ذات النهج الذي مارسته الإنقاذ الأولى في عهد التسعينات موضحاً أن الثورة الحالية ليست انقلاباً عسكرياً لو كان كذلك، يمكن عزل كل القيادات بما فيها المؤسسات العسكرية، ولكن الشرعية التي جاءت بها قوى الحرية والتغيير هي شرعية الثورة والسند الشعبي يعرف جيداً كيف يحمي ثورته، عليه إذا تمت إقالات وعزل بهذه الطريقة حتى لو كانت شخصيات تتبع للمؤتمر الوطني وهي مؤهلة حتماً، فإن الثورة ستقف عند هذا الأمر لأنهم في الآخر مواطنون سودانيون.
وأقر فضيل أن قوى الحرية لديها بعض الممارسات بها استعجال فضلاً عن أن بعضاً من القوى الأخرى تحاول تحويل الثورة إلى انقلاب عسكري، وهذه جهات لديها مصلحة شخصية، أو ثار تأريخي، وإذا كان في الحرية التغيير شيء من هذا يجب التخلص منه الآن .