لا خيار لـ (الحرية والتغيير) إلا إنجاح (الانتقالية)
الوثيقة الدستورية مسنودة بحماس يهدف إلى الوصول لسلام
المؤتمر الدستوري هو الذي يحدد كيف يُحكَم السودان
الوضع الاقتصادي والضغوط المعيشية تتطلب برنامجاً إسعافياً
عدم حسم تعيين رئيس القضاء والنائب العام.. نقطة ضعف في المشهد الآن
حاورته: شادية سيد أحمد
تصوير : محمد نور محكر
قال الأمين السياسي لحزب البعث القومي والقيادي بقوى الحرية والتغيير، كمال بولاد إنه من السابق لأوانه الحديث عن الحكومة الانتقالية التي تم تشكيلها مؤخراً ويجب أن تمنح الفرصة الكافية، مشيراً إلى أنها جاءت في ظروف معقدة وحتماً ستواجهها جملة من التحديات والصعوبات.
وأضاف بولاد أن دور قوى الحرية والتغيير كبير وله أهميته خلال المرحلة القادمة نسبة لارتباطه بأهداف الثورة ومكتسباتها، ولم يستبعِد بولاد قفل باب الحرب نهائياً عقب الاتفاق المبدئي على إعلان جوبا… الذي وقع بين المجلس السيادي والحركات المسلحة، وقال إنه خارطة طريق نأمل أن تقود إلى وقف الحرب وقفل هذا الباب، داعياً إلى الالتزام بما تم الاتفاق عليه… هذه القضايا إلى جانب جملة من قضايا الراهن السياسي مثل قضايا الاقتصاد والخطة الإسعافية التي وضعها وزير المالية، والعلاقات الخارجية، وإمكانية فتح الوثيقة للجرح والتعديل، وتعديل الحكومة وغيرها من القضايا.. “الصيحة” جلست إلى القيادي كمال بولاد الذي تفضل بالرد على أسئلتها بما نعتبره كامل الشفافية، فالى مضباط الحوار.
*بداية .. ما هو دور الحرية والتغيير خلال المرحلة المقبلة.. أي بعد أن تشكلت الحكومة؟؟
– دور الحرية والتغيير دور كبير لأنه ارتبط بأهداف الثورة وعمليه تحقيقها، وهي مهمة صعبة في إطار التعقيدات الكبيرة الماثلة، ولذلك هنالك إرادة كبيرة أن يصبح دور هذا التحالف العريض مستمراً ومتكاملاً مع دور لجان المقاومة الشعبية للحفاظ على وهج الثورة وتحقيق أهدافها على الأقل حتى اكتمال الفترة الانتقالية ومهامها العظيمة في تحقيق السلام والاستقرار، وقيام المؤتمر الدستوري الذي يحدد كيف يحكم السودان ومن ثم تهيئة المناخ لانتخابات حرة ونزيهة يقدم فيها الشعب من يمثله من خلال صندوق الاقتراع.
*عقب تشكيل الحكومة الانتقالية في تقديرك.. هل ما تحقق مُرضٍ ويتناسب مع أهداف الثورة؟؟
– الوقت ما زال مبكراً للحكم على الحكومة الانتقالية، ولكن بكل تأكيد أن الحكومة جاءت في ظروف معقدة وأمامها تحديات كبيرة أهمها تركيبة مجلس السيادة بعد الملابسات التي حدثت في تكوينه وتفاصيل ما حدث قبل وبعد فض الاعتصام الأسطوري أمام القيادة العامة للجيش السوداني. مما يجعل الانسجام الضروري نفسه تحدياً حتى تحكم الوثيقة الدستورية وتفتح الطريق لنجاح حكومة المرحلة الانتقالية، ثم تحدي ابتدار مشوار السلام وتعقيداته أيضاً ثم الوضع الاقتصادي ومعاش الناس في ظل غول السوق الذي ما زالت تتحكم فيه عصابات الرأسمالية الطفيلية وتتسلح بالمرحلة المتقدمة التي وصلتها من الجشع وسيطرتها وفرض نهجها على نمط السوق في تطورها، وهي على كنف حاضنتها النظام البائد سيئ السمعة فكراً وممارسة. وبالتالي أورثت البلاد فساداً اقتصادياً وأخلاقياً لا نظير له في مسيرة البلاد.
وجاءت حكومة المرحلة الانتقالية وأمامها تحديات كبيرة ولكنها مسلحة بتفويض كبير وإرادة أقوى من الجميع في مساعدتها وتقديم العون لها. ولابد من الوعي بذلك، وإفساح المجال لها حتى تستطيع أن تعمل وتواجه ملفاتها بثقة يوفرها الالتفاف الجماهيري حولها وروح الثورة وأهدافها التي تنتظر التحقيق.
*التوقيع على إعلان جوبا.. هل سيقود إلى اتفاق نهائي مع الحركات المسلحة؟؟
أولاً، لابد أن نهني شعبنا الصابر النبيل في كافة أرجاء البلاد بتوقيع هذا الاتفاق الذي تم في جوبا رغم أنه أوّلي ولا يتجاوز كونه خارطة طريق لمشوار مطلوب منه قفل الطريق نهائياً علي الحرب وتحقيق السلام الدائم في بلد شهدت أطول حروب العصر منذ ما قبل انفصال الحنوب وإلى الآن. ولكن لابد من الالتزام بما نوقع عليه خصوصاً ونحن مقبلون على تجربة جديدة وربما يكون على عاتقها مسئولية استمرار السودان موحداً ومزدهراً وناهضاً أكثر من أي وقت مضى.. الوثيقة الدستورية تقول يجب أن يتحقق السلام في الستة أشهر الأولى من الفترة الانتقالية وحددت بدقة خطوات ذلك عن طريق تكوين مفوضية السلام التي تُكوّن من قِبل مجلس السيادة بالتشاور مع رئيس مجلس الوزراء.. ثم تتم الرعاية بعد ذلك من مجلس السيادة مع أهمية ما تم في جوبا وابتدار توقيع الاتفاق الذي يعتبر بمثابة خارطة الطريق.. الأهم الآن الشروع في تكوين مفوضية السلام وتسليمها الملف وتعهدها بمتابعة رئيس الوزراء ومجلسه ورعاية مجلس السيادة حتى يتم ابتدار الخطوات العملية التنفيذية. حتى يتطور الاتفاق إلى مدخل لكافة حركات الكفاح المسلح بما فيها القائد عبد الواحد محمد نور، ونؤكد أن المناخ الذي صنعته الثورة مشجعاً ومناسباً للوصول إلى اتفاق نهائي يفتح الطريق لإيقاف الحرب وبناء المصالحات الاجتماعية ومواجهة ظلامات الماضي ومعالجتها والتوجه نحو البناء.
*الوثيقة الدستورية حددت الأشهر الستة الأولى لتحقيق السلام.. في تقديرك هل هي كافية لذلك؟؟
– أعتقد الوثيقة الدستورية مسنودة بحماس كان ضروريًا بهدف الوصول إلى السلام.. ولأهمية السلام وتأثيره المباشر على كل أهداف الثورة التي تبدأ بإيقاف الحرب وخلق الاستقرار وتوفير كلفة الحرب البشرية والمادية وتوجيهها نحو البناء، كل ذلك كان سبباً في العمل على إنجاز السلام وتحديد المدة.. والأمل ما زال كبيراً في أن تكون المدة بمزيد من الجهد والهمة كافية لتحقيق الشوط الأكبر والأساسي، وما تبقى من الزمن يكون لتحقيق المصالحات الاجتماعية الواسعة وحل مشاكل الأراضي والحواكير وتوطين النازحين واللاجئين وبناء المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية التي تستوعب كل تفاصيل حياة الناس الاقتصادية والثقافية وتحقق التعايش الدائم الآمن والمبدع كعهد السودانيين في التواصل حين الاستقرار وتأمين سبل العيش ويستهدف ذلك بالتمييز الإيجابي أماكن النزاع جميعها.
*في حال التوصل إلى اتفاق مع الحركات المسلحة.. هل ذلك يعني فتح الوثيقة الدستورية للتعديل؟؟
– الوثيقة الدستورية أو الدستور الموقت بناء على الأعراف القانونية عموماً غير مطلوب تعريضها دوماً للتعديلات المتكررة ومحاولات إعادة الصياغة من وقت لآخر.. ولكن معلوم أنه يتم التعديل فيها وفقاً للمواد التي حددت ذلك في داخلها، وهي في معاني الصياغة (لا يتم التعديل فيها بعد التوقيع إلا عن طريق موافقة الثلثين إيجاباً في المجلس التشريعي على التعديل.
ثم في حال عدم قيام المجلس التشريعي تم الاتفاق نصًا أن يتولى تلك المهام مجلس السياده مع مجلس الوزراء مجتمعين. وذلك لأن الأطراف التي وقعت الوثيقة هي المجلس العسكري وتم حله وأصبح من الماضي، وقوى الحريه والتغيير تظل طرفاً شعبياً ولا تمتلك صفة رسمية إلا عن طريق ممثليها في مواقع السلطة. وبالتالي وفقاً لتلك المواد الدستورية في الوثيقة يمكن معالجة القضايا المستجدة التي تقتضيها الضرورة استنادًا عليها.
*على ضوء الاتفاق المتوقع مع الحركات المسلحة… هل نتوقع تعديل الحكومة الانتقالية؟؟
– هذا متروك لطبيعة الاتفاق.. ولكن الوصول إلى سلام دائم وشامل وقفل الطريق على الحرب يظل الهدف الأغلى والإنجاز الأسمى للفترة الانتقالية إذا تحقق.
*حدد وزير المالية ٢٠٠ يوم.. كخطة إسعافية للاقتصاد.. كيف تقرأ ذلك؟
– الطريق الصحيح في مشوار الحكومة الانتقالية، تعلمين ضغوط المعيشة وضغوط الحرب وآثارها والأزمة الاقتصادية وتداعياتها.. كل ذلك يتطلب برنامجاً إسعافياً سريعاً تتصدره خطة عملية واضحة تحدد الأولويات والأسبقية التي تفتح الطريق لاحقاً لبرنامج استراتيجي يوظف كل قدرات وإمكانيات السودان ويعيده إلى وضعه الطبيعي في محيطه العربي والأفريقي والعالمي والإنساني .
*هل الـ ٢٠٠ يوم هذه كافية لإسعاف المشكل الاقتصادي وتحسين ظروف المعيشة في ظل التدهور المريع للاقتصاد وغلاء المعيشة؟؟
– حُدّدت المئتا يوم بصورة مباشرة في أول اجتماع للوزراء وحدد معها عشر مهام على رأسها السلام والضائقة المعيشية والقوانين المقيدة للحريات الخ.. وأعتقد أن هنالك تصورات إسعافية سريعة يعكف عليها وزير المالية وأتصور هنالك جدية في مواجهة الغلاء والضائقة المعيشية والتدهور الاقتصادي عموماً.. من خلال هذا التركيز والوضع الماثل أرى أنه سيكون هنالك فعل إيجابي في هذا الاتجاه والأيام المقبلة حافلة بالكثير، فلنعط الحكومة الفرصه ونرى.
*الخطة الاقتصادية الإسعافية..هل ستصلح أرضية للإصلاح الاقتصادي ما بعد الإسعاف؟؟
– أعتقد أنها تصلح، وهي موضوعة على أساس السنة الأولى حتى الآن تقريباً.. وفيها مجهود كبير ومخلص. وحسب علمي الترتيبات مستمرة وسط الخبراء الذين أعدوها ليقدموها لرئيس الوزراء ولوزرائه كمشروع من قوى الحرية والتغيير، وهم الآن عاكفون في لقاءات موسعة لاستكمال كامل المراحل ووضع لبنات مهمة للمستقبل.
*الحكومة الانتقالية حددت ضمن أولوياتها محاربة الفساد والمفسدين.. هل تتوقع أن تكون المهمة سهلة بالنسبة لها؟؟
– أهم المهام في المرحلة الانتقالية محاربة الفساد ومواجهة دهاقنته وهم بدون شك معظم رموز النظام المباد ومن داهنهم الذين تلاعبوا في موارد البلاد وبعثروها، إما بالنهب المباشر والدنيء أو باتفاقيات فرطت في السيادة الوطنية وعبرت عن تجرد كامل من الحس الوطني الأمين لموارد الشعب وآماله ومستقبل أجياله، وبذلك تصبح قضية محاربة الفساد قضية وطنية بامتياز تعبر عن أحد أهم أهداف الثورة، فضلاً عن أنه أحد الموارد لعودة أموال وممتلكات الدولة التي نهبت أو الاتفاقيات المجحفة التي أبرمت بليل وبضمير فاقد للحياة أهدرت أموال البلد كل ذلك خلفه عتاة المجرمين الذين سوف يدافعون عن مصالحهم الأنانية وعن أنفسهم المريضة بداء اللاوطنية واللاإنسانية، فكيف لمن أتخم من أموال حقن الملاريا التي سلبها من مريضها في أحد أصقاع السودان النائية حتى يدخلها في خزانته المليئة أصلا بأموال السحت أو من زاود وتاجر في قوت الفقراء أن لا يصارع الإصلاح واسترجاع أموال الدولة منه سوف يصارعون الإصلاح والعدالة بكافة السبل غير المشروعة ولكن الضمانة هنالك إرادة حقيقية لمحاربه الفساد. كما للثوره حماتها وهم بالمرصاد لا ينتظرون إلا تحقيق أهدافها.
*المتاريس التي نتوقع أن تواجه الحكومة الانتقالية؟؟
– كما ذكرت لك تحديات متعددة أهمها التجانس المطلوب ما بين حكومة د. حمدوك ومجلس السياده المختلط ما بين الإخوة العسكريين والمدنيين لإنفاذ الوثيقة الدستورية الحاكمة لكامل المرحلة الانتقالية علي صعيد هياكل السلطة ثم تحديات برنامج الفترة الانتقالية والذي يبدأ بتحقيق السلام ثم رد المظالم وتحدي تحقيق العدالة لمظالم الثلاثين عاماً التي تميزت بالبطش والاستبداد والفساد إلى نتائج التحقيق في مجزرة الاعتصام التي راح ضحيتها عشرات الثوار الأنقياء بعد تكوين لجنة التحقيق العادلة وذات الحقوقيين الأكفاء كل ذلك وغيره متاريس أمام الحكومة الانتقالية ولكنها تتسلح كما قلت بإرادة ملايين الثوار وتفويضهم والأمل كبير في المستقبل.
*هل نتوقع انفراجاً في العلاقات الخارجية.. تقود لدعم السودان اقتصاديًا… خاصة فيما يتعلق بالدين الخارجي؟؟
– إلى حد كبير، هناك أمل في أن يحدث انفراج في العلاقات الخارجية والتي معظمها تخرب نتيجة المنهج والفكر الأرعن الذي تميز به نهج النظام المباد والذي كان منهجاً غير مستقر على حيثيات منطقية . مثل الارتماء على محور ثم الانقلاب عليه دون مبررات منطقية والذهاب إلى المحور النقيض ثم محاولة العودة للمحور الأول، أيضا دون مبررات مما جعل النظام في معظم سنواته يتسم بالتخبط في سياساته الخارجيه، المطلوب الآن التوازن في التعامل مع عالم أصبح فيه الاستقطاب والاستقطاب المضاد على أوجه. مصلحة السودان هي الأهم كما رعاية المصالح المشتركة في إطار الندية التي تحترم الآخر، كما أنه لابد من المساهمة الجادة في تقديم ما عندنا للعالم، وهذا يتطلب التوجه الجدي نحو الإنتاج، والسودان يزخر بموارد كبيرة إذا وظفناها جيداً وبروح وطنية وحاربنا الفساد بكافة أنواعه سوف نجد مكاناً يليق بنا في العالم الذي لا يحترم إلا الأقوياء.
أعتقد أن هنالك مجهودات فيما يتعلق بالدين الخارجي وطبيعته وكيفية التعامل معه. وكذلك قضية مواجهة الاحتياجات الآنية على ضوء برنامج استراتيجي يخرج البلاد من النمط الاستهلاكي في الاستيراد على حساب الإنتاج الحقيقي الذي غرقنا فيه ويخرجنا من الورطة الدولية التي اوقعنا فيها النظام البائد..
*ماذا بشأن تعيين رئيس القضاء والنائب العام.. اللذيْن تتوقف على تعيينهما كثير من القضايا… مثل تشكيل لجان التحقيق في دماء الشهداء وغير ذلك؟؟
– واحدة من المماحكات غير الموضوعية في مرحلة التفاوض مع إخواننا العسكريين في المجلس العسكري السابق أن لا تحسم قضية تعيين رئيس القضاء والنائب العام، وهذه واحدة من أكبر نقاط الضعف في المشهد الآن وربما هنالك من قصد ذلك لأسباب يقصدها، ولكن الآن هنالك طريقان إما انتظار تكوين مجلسي القضاء والنيابة العامة وهذا يحتاج وقت محسوباً خصماً على وقت الثورة وأهدافها مثلما يحتاج تكوين المجلس التشريعي وقتاً لتعديل الوثيقة بالثلثين من أعضائه أو الطريق الثاني وهو البت في الموضوع في اجتماع مشترك ما بين مجلس السيادة ومجلس الوزراء حتى يقوم هذا الاجتماع المشترك بصلاحيات المجلس التشريعي في غيابه. ولكن دون شك من اهم قضايا العدالة هو تعيين رئيس للقضاء ونائب عام يعبران عن الثورة وثوارها وأشواقها وتحقيق أساس العدالة لحق الشهداء والجرحى وأسر المفقودين وبأسرع ما يكون .
*المستقبل البعيد لقوى الحرية والتغيير… كيف تنظر إليه؟؟
– لا خيار لتحالف قوى الحرية والتغيير إلا العمل على إنجاح تجربة المرحلة الانتقالية كاملة والعبور بالبلاد إلى مرحلة التحول الديمقراطي، وهذا يتطلب أشد ما يتطلب الحفاظ على وحدة هذا التحالف رغم اتساعه وتنوعه الكبير، كما أن عليه دعم الحكومة بكل إمكانياته المتنوعة حتى تتحقق أهدافها وصولاً إلى المؤتمر الدستوري الذي من مهامه أن يحدد كيف يحكم السودان، كما عليها متابعة ومساعدة الوزراء الذين اختارتهم حتى يجتازوا أصعب امتحان وطني في ظروف صعبة. وعليهم أن يدركوا أنهم حزب الحكومة، أي التحالف الذي شكل الحكومة.