الخرطوم: جمعة عبد الله
تجدّدت أزمة الوقود بالخرطوم، واصطفت عشرات المركبات أمام محطات الخدمة، فيما رصدت “الصيحة” عدداً من المحطات مغلقة كلياً لعدم توفّر المشتقات النفطية، فيما لم يصدر توضيح رسمي من وزارة الطاقة والتعدين عن موقف الإمداد وسبب الأزمة، وبرزت الأزمة بعد أيام قليلة من إعلان رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، عن تدابير وإجراءات عاجلة، لم يفصح عن تفاصيلها، للمشكلات المعيشية الضاغطة والمؤثرة على معاش الناس، خاصة نقص عدة سلع ومنها المشتقات البترولية وصعوبة المواصلات.
وأدى نقص الوقود لزيادة حدة الأزمة في قطاع المواصلات وعانى المواطنون من صعوبات واضحة وكبيرة في التنقل نظرًا لأن قطاع المواصلات يعتبر المستهلك النصيب الأوفر من حصص الوقود المتاحة بالبلاد، بنسبة 58% فيما يستهلك قطاع الكهرباء 22% والقطاع الصناعي 8% والزراعي 5% بحسب دارسة صدرت العام الماضي عن وزارة النفط والغاز.
ويحتاج السودان لثلاث بواخر من الجازولين شهرياً بتكلفة تزيد عن (100) مليون دولار، بينما يغطي إنتاج البلاد من البنزين حوالي (90%) من الاستهلال المحلي، وبسبب الأزمة المالية التي تعاني منها البلاد منذ فترة ليست بالقصيرة عجزت الحكومة عن توفير بضع مئات الألوف من الدولارات لاستيراد المشتقات النفطية لسد العجز وتغطية حاجة الاستهلاك المحلي خاصة خلال فترة الصيانة الدورية لمصفاة الخرطوم.
وتنامت التخوفات من صعوبة تغطية العجز في المشتقات مع التوترات العالمية في سوق النفط وتبعات فقد 5 ملايين نفط يومياً من حقل أرامكو السعودية وهي أكبر دولة مصدرة في العالم، وهو ما يعقد من مهمة الاستيراد في ظل تباطؤ الإنتاج العالمي للنفط.
فيما ترى أستاذة الاقتصاد بجامعة الجزيرة إيناس إبراهيم، أن المطلوب من الحكومة سياسة متكاملة لتنظيم قطاع النفط وليست معالجات جزئية، ونوهت إلى عجز الإنتاج المحلي عن تغطية حاجة البلاد من الاستهلاك ودعت لتسريع وتيرة العمل في المربعات المستكشفة تمهيدًا لإدخالها في دائرة الإنتاج لسد العجز المحلي، موضحة في حديث لـ “الصيحة” أمس، أن تحرير سوق المنتجات النفطية خيار لا تستطيع الحكومة تطبيقه، لذا لا بد من تطبيق فكرة تسجيل المركبات والحصول على البطاقات، وقالت إن هذه السياسة تعتبر جزءاً من سياسة كلية تهدف للحد من تهريب المشتقات النفطية ومحاربة السوق السوداء.
وتتمثل إحدى أهم مشكلات البلاد في الزيادة السنوية لمعدل الاستهلاك وفقاً لعوامل موضوعية مع تناقص الإنتاج أو بقائه على معدل ثابت لعدة سنوات، وهو ما يتجلى بالفعل في قطاع المشتقات النفطية، حيث أثر نقص الوقود المنتج في مصافي التكرير في مشكلات، وتراجع إنتاج السودان النفطي إثر انفصال جنوب السودان عنه عام 2011، من 450 ألف برميل إلى ما دون 70 ألف برميل، ما جعل الحكومة تلجأ إلى استيراد أكثر من 60% من المواد البترولية، لتلبية الاستهلاك المحلي، كما أدى ذلك لتعرض السودان لأزمة مالية مع تراجع إيرادات النفط الذي كان يعتبر أحد أهم مصادر تمويل الموازنة.
ويشير مختصون إلى أن المشكلة في التنسيق وإدارة ملف الأزمة، وتكرارها يؤكد أن سببها في المقام الأول إدارة وعدم تنسيق بين الأجهزة المختلفة، موضحين أن الحكومة تتعامل مع القطاعات الخاصة بأنها إدارات مرادفة لها مما يؤكد عدم وجود جسم ينسق بين وزارة النفط وشركات النقل، فالغرف التجارية دورها ضعيف، والحكومة تتعامل بالفعل ورد الفعل، لعدم وجود سياسة واضحة للوقود ومن يقوم بتوزيعه للمحطات، مع وجود خلل فالحكومة تلقي اللائمة على شركات النقل والأخيرة تلقيها على الحكومة، وتأسيساً على تلك المعطيات فلا مناص من وقفة لجهة أن تكرار الأزمة يخلف رواسب، الأمر الذي يتطلب معالجتها بأكبر منها، مما يكلف الدولة كثيراً.