إعفاء الولاة.. خوف من الجماهير أم رغبة العودة للثكنات؟
تقرير: رضا حسن باعو
يبدو أن العسكر من ولاة الولايات آثروا العودة لثكناتهم العسكرية بدلاً من الاستفزاز من قبل المدنيين بعد تشكيل حكومة الثورة التي لم يتعدّ عمرها سوى أيام معدودات.
واستُثنيَت الولايات من تغيير حكامها العسكريين الذين كلفوا بإدارة شئونها من قبل المجلس العسكري الانتقالي بعد نجاح الثورة، وقبل تشكيل الحكومة المدنية على المستوى الاتحادي.
مبررات عدة جعلت مجلسي السيادة والوزراء يؤجلان تعيين الولاة من المدنيين وفقاً لتقديرات متفاوتة هنا وهناك، على رأسها الأصوات التي نادت بإيقاف الأمر لحين الوصول لتفاهمات مع الجبهة الثورية، خاصة بعد بدء الحوار المباشر بينها والمجلس السيادي في عاصمة دولة جنوب السودان جوبا الأيام الفائتة قبل أن يعود الطرفان إلى طاولة المفاوضات مجدداً منتصف الشهر المقبل لحسم الكثير من القضايا وصولاً للسلام المنشود.
نفد صبر الولاة العسكريين المكلفين بشئون الولايات جراء الضغوط الرهيبة التي ظلوا يتعرضون لها، خاصة في ظل خريف وسيول وفيضانات ألقت بظلال سالبة على بعضها، نتج عن ذلك تدهور بيئي وصحي جعل الكثيرين يجأرون بالشكوى مما حاق بهم رغم التدخلات الكبيرة التي قام بها هؤلاء الولاة.
غير أن قاصمة الظهر بالنسبة للولاة فتمثلت في خروج بعض المظاهرات المطالبة بإقالتهم على خلفية ندرة الخبز في حاضرة ولاية جنوب دارفور نيالا وتبعتها بعض الولايات التي خرجت رافضة وجود العسكر في حكم هذه الولايات.
وسارعت قوى الحرية والتغيير للمطالبة بتعيين حكام مدنيين للولايات بدلاً من العسكر، وأعلنت على لسان القيادي بها الدكتور محمد ناجي الأصم استمرار المواكب لحين تعيين ولاة من المدنيين.
لكن ولاة الولايات المكلفون لم ينتظروا حتى يصدر قرار بإعفائهم واختيار ولاة مدنيين للولايات، وطالبوا بضرورة إعفائهم وأشاروا إلى أن الفراغ الدستوري الذي تعيشه الولايات ليس في صالحها.
وأكد الولاة خلال اجتماع انعقد بديوان الحكم الاتحادي برئاسة دكتور يوسف آدم الضي وزير وزارة الحكم الاتحادي، أنه آن الأوان لاختيار ولاة ولايات مدنيين بعد تشكيل حكومة الفترة الانتقالية.
وقال الولاة بالإجماع إن تكليفهم ألقى بظلاله على قواعدهم العسكرية وإن التكليف فترته طويلة.
وطالب الولاة وزارة الحكم الاتحادي ورئاسة مجلس الوزراء والمجلس السيادي باستصدار قرار الإعفاء بما يحفظ لهذه القيادات المكلفة رجوعها لقواعدها العسكرية.
وتعيش الولايات تحديات عدة، لاسيما بعد ثورة ديسمبر التي أطاحت بحكم الإنقاذ بعد ثلاين عاماً الأمر الذي خلّف العديد من التشوهات جراء بعض السياسات التي انتهجتها بما ينبئ عن واقع صعب خلال الفترة المقبلة في ظل التباين الكبير الذي يعيشه مواطن الولايات الذي يريد بعضه أن يشعر بتغيير حقيقي قد حدث بعد الثورة.
لكن هناك أصوات نادت بضرورة الصبر على الولاة المكلفين لحين الوصول لتفاهمات مع الجبهة الثورية خلال مفاوضات جوبا، ومن ثم التفكير في تعيين ولاة مدنيين وفقاً لمخرجات الاتفاق الذي سيتم الوصول إليه بين الطرفين، مع ضرورة إجراء بعض التعديلات على الوثيقة الدستورية تستصحب معها متغيرات المرحلة فيما يلي ولاة الولايات.
بينما ترى أصوات أخرى ضرورة إبعاد الولاة الحاليين والآتيان بآخرين مدنيين في ظل الأصوات التي ظلت تنادي بمدنية الدولة.
وشخّص رئيس تحالف نهضة السودان الدكتور التجاني سيسي مطالبة الولاة بإعفائهم لعدم منحهم الصلاحيات التي تمكنهم من إدارة شئون ولاياتهم، وكشف عن ثغرات قال إنها تواجه حكم ولاة الولايات عسكريين كانوا أو مدنيين.
وقال سيسي خلال استضافته في حلقة أمس الخميس من برنامج (العاشرة صباحا) بقناة الخرطوم، إن السلطات التي يفترض أن يستند عليها ولاة الولايات في إدارة ولاياتهم ليست مضمنة في الوثيقة الدستورية، وأوضح أن ذلك سيجعل الولاة إذا كانوا عسكريين أو مدنيين يلجأون إلى المركز كل حين لحل مشكلات تحول عدم صلاحياتهم ودون إنجازها.
وأشار إلى أن مطالبة الولاة العسكريين الحاليين بإعفائهم من مناصبهم جاءت بسبب الفراغ الدستوري وعدم وجود الصلاحيات، وطالب بأن يكون وزير ديوان الحكم الاتحادي الوزير الثاني في الحكومة بدلاً من ترتيبه المتأخر الحالي في الأهمية وبكامل الصلاحيات، وأضاف: ينبغي مراجعة هذه الصلاحيات وإلا ستنهار جميع الولايات وتخرج عن السيطرة. وقال إن التفلتات التي حدثت في بعض الولايات في الأيام الماضية معظمها كان بسبب عدم وجود صلاحيات الإدارة والحكم التي تمكن من بسط هيبة الدولة، وقطع بأن استبدال الولاة العسكريين بآخرين مدنيين بدون صلاحيات سيزيد الأمر تعقيداً، وأكد أن الحل يكمن في إلحاق الوثيقة الدستورية بصلاحيات واضحة تمنح لحكام الولايات الصلاحيات المطلوبة حتى لا يضطر الولاة لإدارة ولاياتهم وفقاً لأمزجتهم وهواهم.