الخرطوم: نجدة بشارة
ظل الفريق أول صلاح عبد الله قوش، “أكثر رجال الإنقاذ إثارة للجدل” منذ سقوط نظامه هائماً بين السماء والأرض يبحث له عن ( موطئ قدم ) ومدخل سياسي جديدة يعيده إلى واجهة الفعل السياسي، على الرغم من أن اسمه كان قد برز (كأب شرعي)، وفاعل في التغيير الذي أحدثته الثورة، واقتلعت به حكم البشير، و ما عزز ذلك عدم المطالبة من قبل أية جهة باعتقاله حتى لحظة خروجه من البلاد! بما في ذلك قوى الحرية والتغيير التي أقرت لاحقاً بمفاوضه قوش لها سرًا.
ولعل الشارع السوداني والثوار الوحيدين الذين جهروا برفضهم عودته للواجهة السياسية تحت أي مظلة سياسية، وهو الشيء نفسه الذي رجحه محللون وحملته أنباء متواترة عن محاولات خجولة لاحتوائه داخل حوش (الختمية )(ليبتعث) سياسياً من خلالها، ولربما أشارت ذات التكهنات بتوقع خوضه الانتخابات القادمة ضمن مكون حزب الاتحادي الديمقراطي، والتوقعات تؤكد بأن هنالك محاولات تجري فعلياً لضمه للحزب.
واليوم يكثر الحديث والتساؤلات .. عن حقيقة ما يحدث هل غيّر قوش جلده القديم، و”قلع” جلبابه الذي ارتداه بحوش الوطني ؟ ويتجه لوجهه جديدة؟ وهل جماهير الاتحادي مستعدة لقبول وجود صلاح قوش بينها؟
ما بين قوش والاتحاديين!
ومؤخراً كشفت مصادر من القاهرة عن لقاء جمع مولانا محمد عثمان الميرغني بالفريق قوش، وأنه على اتصال به، ومهندس هذا العمل هو حاتم السر، أحد أبرز مساعدي الميرغني وساعده الأيمن، ولم يستبعد المصدر انضمام الأخير “للاتحاديين “.
وطبقاً لمحللين، فإن ظهور قوش على مسرح الاتحاديين قد يعود لكون جذوره اتحادية، ومن منطقة الختمية، إضافة إلى أن قوش يحفظ لمولانا مساندته له في الانتخابات التي جرت عام 2015 بمنطقة نوري شمالي السودان، حينما كان قوش مغضوباً عليه، عطفاً على ذلك، كشفت مصادر عن توسط قوش لما أسماه (رأب الصدع) وإصلاح ذات البين لتقريب وجهات النظر بين نجلي محمد عثمان الميرغني، لجهة أن الخلافات بين محمد الحسن وجعفر الصادق وصلت مدى بعيداً، سيعقد الأمور أكثر(داخل الحركة الاتحادية)، على حد قوله. وقديما شاع على نطاق واسع، أن (قوش) أعلن انضمامه للطريقة الختمية التي يتزعمها مولانا محمد عثمان الميرغني، بمبايعته لقطبها وإمامها في منطقة مروي، تاج السر ود إبراهيم، بيد أن الخبر سرعان ما تهاوى بتأكيد قوش أنه لا يحمل في عنقه سوى بيعة وحيدة كانت للرئيس البشير في العام 1989م، ولكن المؤكد أنه يكن احتراماً كبيراً للطريقة الختمية سواء كان ذلك لآصرة الدم، أو المنطقة، وحتى لنزوع السودانيين إلى الإسلام المتصوف ذي النزعة المتسامحة.
الاتحادي يُرحّب
القطب الاتحادي تاج السر محمد صالح، قال لـ(الصيحة): شخصياً أبارك وأرحب بانضمام صلاح قوش للحزب الاتحادي الديمقراطي لكن !.. لا أستطيع أن أؤكد أو أنفي ما يتناقل عن ضم قوش للحزب، وأرى أن قوش بوضعه الحالي “اتحادي” طبيعته وجيناته أقرب للاتحادي، وبالمقابل الحزب لم يكن يومًا معترضاً على انتماء أي شخص لهـ فما إذا كان هذا الفرد جذوره ختمية.
وبسؤاله مباشرة عن توقعه بانضمامه، قال حرفياً “فطرة صلاح تقوده لنا”. إلا أن محمد سيد أحمد سر الختم الجكومي، القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل قال في وقت سابق لـ(الصيحة): لا أحد يستطيع أن ينكر دوره “قوش” في إنجاح الثورة، وأنه هو من سهّل للمعتصمين الذهاب للقيادة، ولو أراد غير ذلك لقام وعمل على ترس الشوارع المؤدية للقيادة، مثلما تم ترس شوارع القصرالجمهوري، وكل اللجنة الأمنية كان بإمكانها عدم الانحياز للشارع، وتحدث عن مجزرة في 6 أبريل وتتفرق دماء الشهداء، وأردف صلاح قوش لو أراد لهذه الثورة عدم الانتصار لكان ذلك، وأقول لك: هناك تسريب ظهر لصلاح قوش خلال اجتماعه مع الرئيس المخلوع، حينما قال للبشير أستطيع أن أسيطر على الشارع السوداني لمدة ستة أشهر، وبعدها لا أستطيع، وهذه كانت دعوة صريحة من قوش للاستمرار في التظاهرات والمواكب.
فيما استنكر القطب الديمقراطي بخاري الجعلي في حديثه (للصيحة ) عودة قوش للفعل السياسي عبر بوابة الاتحادي، وقال لا أستبعد انضمامه للحزب، وهذا شأن طبيعي، وقلل بخاري من الأنباء والمصادر التي روجت لانضمامه وعودته بالانتخابات.
أدوار غامضة
ومنذ سقوط الإنقاذ ظل قوش خلف كواليس المشهد السياسي ويكاد يكون معزولاً لولا بعض الأخبار الشحيحة التي تزيده غموضاً، ولم يبين يوماً ما إذا كان قد اختار أو اختارت له الظروف التواري عن الأنظار، حتى إنه أكد في تصريحات بأن حقائق دوره في التغيير يعرفه الفاعلون الحقيقيون في الحراك على الأرض وهم جنود مجهولون لم يفصح عنهم.
وسابقًا كشف الإمام “الصادق المهدي”عن معلومات جديدة بشأن لقائه مع قوش قبل سقوط البشير بساعاتٍ، واعتبر أنّ دور قوش لم ينته بعد دون أن يحدّد المهدي ماهية الدور، مضيفًا أن وضع قوش الآن غامض، والغموض الذي عناه لم يكن بالشيء الجديد على ذراع النظام السابق الباطشة، حيث أحاط نفسه بسياج من السرية في تحركاته بين القاهرة، وواشنطن والخرطوم، جعلت أصابع الاتهام ناحيته تتهمة بتآمره مع هذه الدول ضد نظامه حتى إسقاطه، وسبق أن التقى قوش قبل سقوط النظام في أمريكا بنافذين بالبنتاغون ووكالة الاستخبارات الأمريكية، وتناولت اللقاءات هناك مجمل الأوضاع التي تجري بالسودان وكيفية التعاطي معها مستقبلاً.
بوابة عبور
المحلل السياسي د. الحاج محمد خير، قال في حديثه لـ(الصيحة) إن الحزب الاتحادي الديمقراطي (وكالة من غير بواب) ،ولا أستغرب أن يعود قوش للواجهة السياسية عبرها، في إشارة إلى كونه (حزباً مفتوحاً) دون قيود أو شروط، لأي شخص ذي قاعدة طائفية أو ختمية، ولم يستبعد أن يجد “قوش ” ضالته فيها.
وأردف: علاقة قوش بالاتحاديين ربما تفسر في سياق تبادل المنفعة، وقال: رغم أن الاتحادي بتاريخه الحافل لا يحتاج لقوش ليضيف في رصيده، ولكن قد يجدها قوش (حاضنة) سياسية له.
وفي وقت سابق، أعلن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة محمد عثمان الميرغني، رفضه المشاركة في الحكومة الانتقالية، وطالب بتقصير أمد الفترة الانتقالية إلى عام واحد أو عامين، وأوضح الحزب أنه يعمل بالاشتراك مع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والأطراف الإقليمية، للالتفاف حول مطالب الشباب في مستقبل ديمقراطي يتحكم فيه صندوق انتخابات حرة ونزيهة، وربما ذلك يشي بتقصير فترة الانتقالية للسماح للأحزاب السياسية بالعودة مجدداً لخوض الانتخابات، وربما ذلك ما دفع الحزب للبحث عن شخصية قوية، ووجد ضالته في صلاح قوش ليخوض معه تحالفات استعداداً للانتخابات القادمة.
استبعاد
من جانبه، استبعد المحلل السياسي بروف حسن الساعوري في حديثه لـ(الصيحة ) انضمام صلاح قوش للحزب الاتحادي الديمقراطي بهدف خوض الانتخابات القادمة، وقال إن شخصية قوش غير عادية وعقليته قوية، ولا يقبل أنصاف الحلول أو تقبّل الانضمام لحزب مفكك إلى مايقارب سبعة أجنحة سياسية. ويرى الساعوري أن الاتحادي الديمقراطي أصبح حزباً ضعيفاً وخاسراً قائماً على الولاءات الطائفية التي كادت أن تنقرض من المجتمع السوداني عدا بعض المناطق، خاصة أن المتابع لمسيرة الحزب الاتحادي الديمقراطي في الفترة الأخيرة، يجد أن الخلافات السمة البارزة في تفاصيله السياسية، والضلع الأساسي فيها المشاركة في الحكومة التي شقت صف الحزب منذ انتخابات 2015، في ظل غياب زعيمه مولانا محمد عثمان الميرغني، هذه الخلافات جعلت من مواقف الحزب متناقضة، وتلمُّس ذلك في التصريحات المتضاربة لقياداته، وكل يغرد حسب موقفه.
إحياء نفوذ
تشير متابعات إلى أن وجود صلاح قوش في العاصمة المصرية أتاحت له مساحة للحركة من جديد، وإلى إعادة تقديم نفسه بوصفه أحد الفاعلين في التغيير الذي حدث بالبلاد، وعلى أنه ما زال قادرًا على ضبط الأوضاع الداخلية، والسيطرة على الأجهزة الأمنية التي كانت تحت إمرته؛ لتتسرب أنباء على لقاءات جمعته مع قادة الحرية والتغيير في القاهرة، برغبة من السلطات المصرية والإماراتية التي وجدت فيه خيارًا ورهانًا رابحًا في التفاعل مع الأزمة السودانية، بعدما فشل كلا البلدين في كسب نفوذ التيارات المحسوبة على الثورة، ونجاح الجانب الإثيوبي في طرح نفسه وسيطًا موثوقًا، نجح في لم الأطراف المتخاصمين.
وعلى الرغم من أن قوى الحرية والتغيير نفت هذه الأخبار لاحقًا، إلا أن مصدراً أكد أن صلاح قوش التقى بعضهم لقاء منفردًا، بعد إقناعهم بأهمية المرحلة، وقد أكد المصدر ذاته بقاء صلاح قوش إلى الآن في العاصمة المصرية، كاشفًا عن أن السلطات المصرية بالتنسيق مع الإمارات تُدرك أنه ورقة رابحة لهم في الشأن السوداني، لا ينبغي التفريط فيه بسهولة، أو التضحية به تحت ضغوط من جانب الثوار، الذين طالبوا بتسليمه، وقد تكون مبادرة لقائه بالميرغني ضمن مبادراته السياسية لإحياء نفوذه وتنشيط تحركاته السياسية، وعلى كلٍّ أجمع مراقبون على أنه مهما كانت المآلات التي سيُسفر عنها لقاؤه مع الميرغني، وحتى إذا ما عاد عبر بوابة الختمية، فإنه من غير الممكن أن يسمح السودانيون لصلاح قوش باعتلاء كرسي الرئاسة، إلا إذا تم ذلك عبر انقلاب عسكري أو تدخل أجنبي، إلا أن الانتخابات وصناديق الاقتراع لن تكون الطريق الملائم للعودة، ويضيفون بأن قوش بخبراته وحنكته يعلم ذلك جيداً ويدركه.