شيء من التراث الأدبي
أبو نواس أحد شعراء الدولة العباسية الأفذاذ وله أشعار غاية في السلاسة والجودة، وقد اشتهر بخمرياته الشعرية، ونسب إليه قوله إنه قرأ شعر مائة شاعرة غير الشعراء ثم بدأ كتابة الشعر….. واسمه الحسن بن هانئ.. وقال بن خلكان.. إن المأمون قال… لو وصَفَت الدنيا نفسها لما وصفتها بمثل قول أبي نواس….
ألا كل حي هالك وابن هالك
وذو نسب في الهالكين عريق
إذا امتحن الدنيا لبيبٌ تكشفت
له عن عدوٍّ في ثياب صديق
ومن أحسن ما أتى به من المعاني وأغربها ويدل على حسن ظنه بالله تعالى قوله…
تكثر ما استطعت من الخطايا فإنك بالغ رباً غفوراً
ستبصر إن وردت عليه عفواً
وتلقى سيداً ملكاً كبيراً
تعض ندامة كفيك مما
تركت مخافة النار الشرورا
قال محمد بن نافع رأيت أبا نواس في المنام بعد موته فقلت يا أبا نواس فقال لات حين كنيه… فقلت يا الحسن بن هانئ قال .. نعم.. قلت ما فعل الله بك؟ قال غفر لي بأبيات قلتها في علتي قبل موتي وهي تحت الوسادة ..قال.. فأتيت أهله قلت..هل قال أخي شعراً قبل موته ؟ قالوا لا نعلم إلا أنه دعا بدواة وقرطاس وكتب شيئًا لا ندري ما هو.. قال فدخلت ورفعت الوساده فإذا إنا برقعة مكتوب فيها…
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن
فمن الذي يدعو ويرجو المجرم
أدعوك ربّ كما أمرت تضرعاً
فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا
وجميل عفوك ثم إني مسلم
وسئل أبو نواس عن نسبه فقال أغناني أدبي عن نسبي.
ومن أبدع ما سمعت له امتداحه لمحمد الأمين الخصيب أمير مصر…
أجارة بيتينا أبوك غيور وميسور ما نرجو لديك عسير
تقول التي من بيتها خف مركبي
عزيز علينا أن نراك تسير
أما دون مصر للغنى متطلب
بلى إن أسباب الغنى لكثير
فقلت لها واستعجلتها مدامع
جرت وجرى في إثرهن عبير
ذريني أُكثِّر حاسديك برحلة
إلى بلد فيه الخصيب أمير
فتى يشتري حسن الثناء بماله
ويعلم أن الدائرات تدور
جواد إذا الأيدي كففن عن الندى
ومن دون عورات النساء غيور
وما جازه مال ولا حلّ دونه
ولكن يسير المال حيث يسير