عند بدايات التّمرُّد في دارفور تَمّ فتح مُعسكرٍ تدريبي للمُقاتلين بمنطقة قولو.. ومُعسكر تدريب ليلي بعيداً عن عيون السلطات الحكومية في منطقة أم برو.. في المعسكر الأول كان عدد المُتدرِّبين (250) شاباً، جميعهم من المُزارعين الغاضبين على الرُّعاة الذين يستبيحون مزارعهم عُنوةً ويَطلقون الرصاص على الفور العُزّل إذا حاولوا مقاومة الظلم.. أما في منطقة أم برو كان عدد الشباب حوالي مائة يتسلّلون خلسةً بعد العشاء من القرية التي تنام مُبكِّراً إلى وادٍ غير ذي زرع ويتدرّبون على حمل السلاح.
في ذلك الوقت لا يجرؤ سياسي أو صحفي يكتب في صحف الداخل أن يُشير لخطأ في المُمارسة إلا حسين خوجلي وصحيفة “ألوان” التي ذاقت من العذاب ألواناً بسبب مَواقفها المُعلنة من أخطاء الإنقاذ كبيرها وصغيرها.. نشرت الصحيفة في أخبارها يومذاك عن بوادر تمرُّد في دارفور.. وعن وجود مُعسكر تدريبي في قولو وشباب يتدرّبون في دار زغاوة ليلاً على حمل السلاح تَمهيداً لخطوةٍ قادمةٍ.. غَضبت الخرطوم قيادة عسكرية وسياسية على الصحيفة ولم تغضب لتفريطها في جعل البلاد تهتز من أطرافها.. تم نفي الخبر من قبل الناطق الرسمي للجيش واستدعاء كاتب الخبر.. وجعله يقف ثلاث ساعات في شمس مايو حافي القدمين عقاباً لما اقترفه من آثامٍ بنشر الأخبار المُغرضة التي مصدرها (المُعارضة)!!
وقادت الحكومة حملة كذوب لتكذيب الحقائق وما أكثر القادرين على الركوع بأبواب السلاطين.. لو اتّجهت الحكومة للتفاوُض مع المُحتجين والذين يتدرّبون على السلاح قبل أن يقوى عُودهم لوأدت فتنة دارفور في مهدها، ولو أصغى الذين في آذانهم وقرٌ لما دعا إليه الفريق إبراهيم سليمان لما مات (فقط) عشرة آلاف!! دارفوري بلسان الرئيس السابق في حربٍ انتهت بسُقُوط النظام.
ما أشبه الليلة بالبارحة.. قذفت القوى الشبابية عناصر وقيادات قِوى الحُرية والتّغيير في الفاشر ورفضوا لها إقامة ندوتها المُعلنة!! ولم تجد (قحت) غير ذات التبرير أنّها قِوى المُعارضة الكيزانية.. وعادت تغطي وجهها بأصابع يدها.. احترقت منطقة قريضة بجنوب دارفور وتم تسجيل الجاني والمجني عليه في دفتر سِجِلات اسمه الدولة العميقة.. اشتعلت مدينة نيالا بالاحتجاجات المطلبية لتوفير الخُبز فقط والجازولين والبنزين وكتب الكُتّاب عن احتجاجات طلابية على استعانة الوالي بعناصر النظام السابق!! طلاب وطالبات خرجوا من سُكّر شتِّت والمزاد وخرتوم بالليل ودومايا وبليل، ولكن الحكومة لم تنظر للأسباب التي دفعت طلاب الثانويات للخروج، ولجأت إلى ذات تبريرات الحكومة السابقة.
غضب الشرق على قسمة السلطة.. فنال دعوة من البرهان لقادة الشرق في القصر بدلاً من أن يذهب لوقر وتلكوك وهداليا.. وفي جنوب كردفان قوات المعارضة الجنوبية تغتصب الأرض وبيانات الحكومة تقول كل شيء على ما يرام.. الأوضاع مُستقرة والقيم محفوظة.. وفي المجلد والفولة ترقُّبٌ وغضبٌ مكبوتٌ في النفوس وهم ينظرون إلى ما يجري هناك في الدمبلويا والنعام والرقبة الزرقا وأبيي تبعد عنهم وتقترب من الخرطوم وجوبا وتضمها ملفات حمدوك (العميقة)!! المشهد السياسي والاجتماعي بالأطراف الرخوة لا يحتمل التّجَاهُل واتخاذ الدولة العميقة والكيزان، ذريعةً للهروب من واقع شاخصٍ ببصره في الساحة!!