لأننا نخشى أكثر على بلادنا أن تنزلق بالفعل إلى الهاوية، فقد اتّضح تماماً أن التنسيق والتناغُم مفقود في إيقاع التركيبة الحاكِمة بالنظر إلى وضع الولايات والأزمات المتلاحقة التي دهمتها، خاصة في جنوب دارفور وبعض مناطق الشرق، والأزمة الاقتصادية الطاحنة وانعدام الوقود، وضعف الكفاءة التنفيذية للحكومة، وعدد كبير من الوزراء، وغياب رؤية محورية وفكرة مركزية للحل، فالكل يخبط خبط عشواء، ولا رابط يجمع أعمال الوزراء والوزارات، ولا جهة تُحاسب وتضع حدّاً للفوضى العارمة التي يقوم بها منسوبو مجموعة الحرية والتغيير الذين استباحوا اللوائح وقوانين الخدمة المدنية ونُظُم الإدارة وبات كل منهم كالثور في مستودع الخزف ..
كل هذه المؤشرات تشير إلى أن الأوضاع تسير بسرعة إلى الأسوأ، خاصة أن مجموعة الحرية والتغيير هي تحالُف سياسي عريض وهش بلا ضوابط تنظيمية ولا رؤى مشتركة، ولا برامج ولا حتى مُشتَرَكات فكرية وسياسية تُحدّد أهدافهم وتقودهم وتهديهم للصواب، وقد اتّضح ذلك في أداء الحكومة الحالية، رغم أن الوقت غير كافٍ للحُكم عليهم بصورة قاطعة، لكن ما نراه الآن يقف دليلاً على أن الحكومة تفتقر لأبسط مُقوّمات التنسيق في ما بينها، وليست مُطّلعة على كامل الأوضاع بما يكفي، ولا تتوفّر على معلومات وافية ولا تمتلك حلولاً ناجعة .
كيف إذاً يكون الحال لو ترك الولاة الحاليون مواقعهم، بعد مطالبتهم أمس بإعفائهم رجاء ولاةٍ من المدنيين، بلا سلطة حقيقية وبلا رصيد سياسي وخبرة إدارية تُمكّن من مُجابهة التحديات الأمنية والقصور الخدمي والتردّي الاقتصادي وانعدام السلع الضرورية؟ ستكون هناك مخاطر جمة في الولايات التي تشهد أوضاعاً مزرية وانفلاتات أمنية ونُذُر تمرُّد على المركز والمطالبة جهراً بدعاوى خطيرة وباطِلة ومُدمِّرة بتقرير المصير كما ظهر في ولايات الشرق والنيل الأزرق .
فوق هذا وذاك، لا تمتلك الحكومة الانتقالية المدنية التي تُسيطِر عليها قوى الحرية والتغيير، أي عوامل ثقة متينة مع القوات النظامية، لا يزال أعضاء في المجلس السيادي والحكومة يطعنون ليل نهار في ظهر القوات النظامية وينظرون بنوع من الشك والظن إلى الجيش والشرطة والدعم السريع والأمن، بل يُطالبون بمحاسبة هذه القوات على ما يعتبرونه تجاوُزات في الاعتصام ومقتل أعداد من المتظاهرين.
جدارُ الثقة المنهار أو الهش بين الشريكين لا يوفّر أرضية مشتركة للعمل معاً، ولا يُبشّر بخير، فالأجواء مُلبّدة بسحب داكنة من التوقّعات غير المحمودة، وتتفاقم الأزمات الاقتصادية وينخفض الأداء التنفيذي إلى الحضيض، وتتلظَّى الولايات في نار التوتُّرات الأمنية والتظاهُرات والاحتجاجات والغلاء الطاحن، وكل شيء على سطح صفيح ساخن… نسأل الله اللطف والستر فلا ملجأ إلا إليه …