حمدوك بنيويورك… حصاد الأيام الأربعة
تقرير: مريم أبشر
حصدت الأيام الأربعة التي قضاها رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك بأروقة الأمم المتحدة مترئساً وفد السودان، في أهم محفل دولي يلتئم سنوياً بنويورك وتكون ممثلة فيه كل الدول المنضوية تحت مظلة الأمم المتحده بكبار قادتها.
لقاءات في غاية الأهمية عقدها حمدوك قبيل إلقاء خطابه من المنصة الأممية، من شأنها فتح الأبواب المغلقة منذ ربع قرن أو يزيد أمام السودان بسبب سياسات اتبعها النظام السابق اعتبرها المجتمع الدولي لا تصدر إلا من الدول المارقة والمتمردة على القانون الدولي.
نقطة إيجابية:
جملة من اللقاءات المهمة أعدتها سكرتارية رئيس الوزراء بالتنسيق مع بعثة السودان الدائمة بنيويورك بلغت في مجملها أكثر من أربعين لقاء، دخل حمدوك ووفده المرافق بقيادة وزيرة الخارجية أسماء محمد عبد الله منذ اللحظة الأولى في تنفيذها مستفيداً من فترة تواجده هنالك، والمحدد لها عشرة أيام، ومن أهم اللقاءات التي لها ما بعدها، هو اللقاء الذي جرى أمس بينه ومدير البنك الدولي ديفيد ملباس، ويعد من أهم اللقاءات التي تشكل نقطة انطلاقة حقيقية في مسيرة الاقتصاد السوداني عصب التغيير الذي شهدته البلاد، لجهة أن الاقتصاد المنهار الذي ورثته الثورة عن النظام السابق، العقبة الكؤود التي تعرقل انطلاقة الفترة الانتقالية يمثل هاجساً أمام أي خطوة لتنفيذ برامج الفترة الانتقالية، السيد ديفيد مالباس مدير البنك الدولى، أكد لحمدوك استعداد البنك الدولي لدعم ومساندة برامج حكومة الفترة الانتقالية وأن البنك سيعمل مع حكومة حمدوك لتطوير وتعزيز الاقتصاد السوداني وأعطى حمدوك مدير البنك الدولي تعهدات باستعداد حكومته للتعاون مع البنك الدولي بما يخدم مصلحة السودان ويحقق ما تصبو إليه الثورة السودانية.
الدكتور صلاح الدومة أستاذ العلوم السياسية اعتبر في حديثه للصيحة مجرد لقاء حمدوك بمدير البنك الدولي نقطة إيجابية، وقال الدومة في حديثه (للصيحة) أمس إنه من المستحيلات في العهد السابق أن يتم لقاء بهذا المستوى بين مسئول سوداني ومدير البنك واعتبر الأجواء التي عقد فيها اللقاء كانت إيجابية وواعدة، وأن الأمر مختلف وتوقع كرد فعل لتلك الأجواء الإيجابية أن تكون النتائج إيجابية لصالح السودان وثورته.
السلام أولوية
معروف أن حكومة الفترة الانتقالية وضعت في سلم أولوياتها تحقيق السلام الشامل خلال فترة الستة أشهر الأولى وخطت خطوات جادة باتجاه تحقيق أحد أبرز مانديت الحكومة الراهنة، أمس وعلى هامش اجتماعات الدورة 74 للأمم المتحده عقد حمدوك لقاء غاية في الأهمية مع أوسكار فرنانديز تارانكو مساعد الأمين العام لدعم بناء السلام بحضور الوكيل المساعد بوزارة الخارجية، ومندوب السودان الدائم بالأمم المتحدة، وتطرق اللقاء للسبل الكفيلة لاستفادة السودان من الدعم الذي تقدمه لجنة بناء السلام في الانتقال من مرحلة حفظ السلام إلى بناء السلام بجانب التمويل الذي يقدمه صندوق بناء السلام.
وأمن الطرفان على ضرورة التعاون والتنسيق لمخاطبة المجتمع الدولي من أجل تعبئة الموارد لدعم مشاريع بناء السلام في السودان.
لقاء حمدوك مع فرنانديز اعتبره أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبده مختار مهماً جدًا وهو يأتي ضمن سلسلة لقاءات ذات فائده كبيرة، ورأى أن حمدوك يتحرك الآن داخل أروقة الأمم المتحدة في مساحات واسعة مستغلاً مناخ التغيير الذي شهد عليه كل العالم، وهو على استعداد لدعم السودان نحو الديمقراطية.
وقال إن حمدوك وجد المناخ مهيأ ويتحرك بصورة إيجابية ولفت مختار في حديثه للصيحة أن تدفع الجهود الدبلوماسية الرئاسية في المحافل الدولية في تشكيل ضغط على الولايات المتحدة لتسريع رفع اسم السودان من القائمة السوداء، ورفع العقوبات الاقتصادية عنه.
الثورة الملهمة:
مثّلت رواندا نموذجاً لتحويل مأساة الحرب والمجازر إلى دولة متماسكة تسرع الخطى باتجاه الإعمار والتنمية وذلك بحكمة زعيمها بول كيقامي.
وفى لقاء يمثل دافعاً لتجاوز الصعاب والقفز فوق المستحيل، التقى أمس الدكتور حمدوك بالرئيس الرواندي كيقامي، وامتدح حمدوك التجربة الرواندية في تحقيق السلام الاجتماعي وتسوية النزاعات عبر انتهاج مبدأ الحقيقة والمصالحة، مشيداً بالتطور التنموي الذي حققته رواندا خاصة في مجال التعليم والصحة والخدمات وارتفاع مستوى الناتج القومي والنمو الاقتصادي وتطرق اللقاء لأهمية تطوير التعاون بين البلدين بما يخدم المصالح المشتركة.
ووصف كيقامي تجربة السودان بالملهمة للشعوب الأفريقية فى الانطلاق نحو الأمام وأكد استعداده لنقل التجربة الرواندية في كل المجالات للسودان، ولفت إلى أن بلاده ستربط بالسودان عبر شركة طيرانها، وذلك بتسيير رحلات للخرطوم.
هذه .. أولوياتنا
لقاء آخر لا يقل أهمية عقده حمدوك أمس مع رصيفته النرويجية أرنا سولبرك ركز فيه على أهمية مساندة النرويج للسودان في رفع اسمه من قائمة واشنطن السوداء بجانب إعفاء الديون وتطبيع علاقاته مع الموسسات الدولية، وذكر أيضاً أن الأولويات تتمثل في بناء السلام العادل المستدام، ولفت للدور الذي يمكن أن يلعبه الاتحاد الأوربي عامة والنرويج على وجه الخصوص في هذا الصدد، وعبر عن أمله في أن تكون جولة المفاوضات القادمة سانحة لخلق سلام مستدام.
بيد أن حمدوك لفت للتحدي الاقتصادي باعتباره يشكل أولوية، ولم ينس رئيس الوزراء الثناء على مواقف النرويج الداعمة للسودان في تحقيق تطلعاته.
رئيسة الوزراء النرويجية تعهدت بالعمل مع السودان الجديد كشريك جدير بالثقة لدعم عملية السلام والإصلاح الاقتصادي، وقدمت أرنا الدعوة لحمدوك لزيارة بلادها.
وفي لقائه بوزيرة الخارجية الكينية السفيرة مونيكا جوما تلقى حمدوك تهنئة بلادها بالثورة السودانية. لم ينس رئيس الوزراء الدور الرائد لنيروبى في الشأن الأفريقي، وعبرت مونيكا عن إعجابها بانتصار ثورة السودان التي وصفتها بالعظيمة، وأكدت رغبة بلادها في تطوير التعاون مع السودان.
وكان حمدوك قد ابتدر سلسلة لقاءاته بلقاء هام جمعه بالأمير تميم بن حمد أمير دولة قطر، كما شارك في فعالية رفيعة المستوى حول حرية الأديان شارك فيها الرئيس الأمريكي ترامب، فضلاً عن لقاء آخر جمعه ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
جدير بالذكر أن عددا كبيراً من المشاركين في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أبدوا فيما يشبه الإجماع إعجابهم بالثورة السودانية، وطالبوا بأهمية أن تعمل واشنطن على رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للأرهاب، باعتبارها معيقاً لتنفيذ تطلعات ثورة الشعب السوداني التي تحققت بسلمية نادرة الحدوث.