حميدتي وما بعد الآن؟
لا يزال الطريق شاقاً والهدف بعيداً وبوادر الفشل تلوح في الأفق، لا بسبب إخفاق لحكومة حمدوك ولكن لأسباب خارجة عن إرادتها وإرادة جميع السودانيين الذين كانوا يطمحون لاتفاق الحد الأدنى مع حاملي السلاح والتوافق السياسي على فترة انتقالية يتعافى فيها الوطن من جروحه الغائرة ويتصالح الفرقاء تحت ظلال مقرن النيلين.
كل ذلك لم يحدثـ، وبدأ الاستغلال المسيء للديمقراطية وبذر ذات الأشواك التي أودت بها من خلال تجربتين سابقتين لأنظمة ديمقراطية جاءت على أنقاض أنظمة عسكرية, فالفوضى في الممارسة وكثرة الاحتجاجات المطلبية والسياسية وتوترات أمنية في الأطراف بدارفور وجنوب كردفان واستغلال عناصر من الشرق للمناخ الحالي بالدعوة لحق تقرير المصير والحكومة تخصص مقعدين وزاريين لكل من النيل الأزرق والشرق وتتلكأ في تعيينهم في محاولة للقول بأن هذه المناطق تفتقر لوجود كفاءات جديرة بالانضمام لكوكبة حكومة الكفاءات من لدن أسماء محمد عبد الله ومفرح وآخرين من دونه تحسبهم كفاءات وهم دون ذلك بكثير.
في ظل هذا الواقع الشاخص بكل تجلياته لم يجد الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة، وهو أكبر حزب جماهيري في تحالف “قحت” غير نبوءة فشل الفترة الانتقالية واستعداد حزبه لانتخابات مبكرة والدعوة للانتخابات المبكرة تمثل سيراً على حافة الهاوية في ظل الواقع الراهن لغياب المنظم والحكم وقضاة الاستئناف، وقبل ذلك الاتفاق القومي على قواعد الملعب الديمقراطي حتى لا تصبح الديمقراطية بمثابة ثغرة يتسلل منها مغامرون عسكريون جدد يعيدون إنتاج الأزمة القديمة، وتظل بلادنا تراوح مكانها.
الأوضاع الآن أكثر حاجة لشخصية لها قدرة على الإمساك بخيوط الساحة وتحظى بسند وثقة المؤسسة العسكرية وأغلب مكونات الساحة من القوى المدنية وبالطبع لن تكون هذه الشخصية بعيدة عن الفريق أول محمد حمدان دقلو عضو المجلس السيادي وقائد قوات الدعم السريع الذي لعب دوراً محورياً في التغيير الذي حدث في الحادي عشر من أبريل الماضي الذي أطاح بالرئيس عمر البشير وحمايته للقوى الشبابية التي قادت التغيير ودوره في حفظ الأمن بالعاصمة القومية والولايات، وإذا كان حميدتي قد ساعد القوى اليسارية في الوصول لأهدافها فقد حقق للإسلاميين ما هو أغلى من ذلك بحمايتهم من الهجمة التي كانت تستهدف إلغاءهم من الوجود بالقضاء عليهم والتشفي منهم ولولا حميدتي وقوات الدعم السريع لفتك المتظاهرون من قوى اليسار بالقيادة السياسية لحزب الموتمر الشعبي في واقعة صالة قرطبة الشهيرة.
ومن هنا فإن الفريق حميدتي يمثل شخصية مقبولة لكل الناس ولها امتدادات هامة في الإقليم، وقد جسر علاقات مهمة مع القوى التي لها تأثيرها على الأوضاع في السودان ونعني تشاد وجنوب السودان ومصر وأثيوبيا والإمارات والسعودية، وتشكل هذه القاعدة الإقليمية ضامناً مهماً لأي تحول في السودان عطفاً على ثقة القوى التي سماها حمدوك بقوى الكفاح المسلح في الفريق حميدتي رهبة من قوته العسكرية وقناعة بحنكته السياسية في إدارة ملف جمع الصف الوطني الذي يحتاج لمشروع قومي لتوحيد أغلب مكونات الساحة السياسية، وهذه ليست دعوة لإلغاء ما هو قائم من هياكل سلطة انتقالية ودون المساس بالمكاسب التي حصلت عليها قوى الحرية والتغيير وقوى الكفاح المسلح، ولكن المصلحة الوطنية العليا تتطلب وحدة عريضة واتفاقاً سياسياً دون إقصاء لأي طرف أو حزب حتى تصبح الانتخابات ونتائجها سبيلاً لوحدة البلاد وليس ثغرة لصراع بين اليمين المتطرف واليسار الأكثر تطرفاً، وبكل أسف بعض ممن هم في قيادة هرم السلطة العليا بدلاً من لعب دور قومي في وحدة الصف يحملون ثقاب الحريق لإشعال نار الفتنة الدينية بمحاولة إلغاء الشريعة الإسلامية من الحياة العامة، وآخرون يركبون موجة اليهودية بلا حتى توراة يهديهم طريق التعميد.
من أجل إدراك ما يحيق بالبلاد، فإن الفريق حميدتي مطالب بدور آخر أكبر وأهم من دوره في التغيير ودوره في حماية أمن البلاد.